الصحافة بمهنية ورؤية إبداعية

آفة حارتنا الفساد.. الجامعة المغربية تحت المجهر.. مهدي عامري يكتب

«لا يُقاوَم الفساد بالصمت، بل يُفْضَح بقول الحق، وإن كلّف ذلك راحة القائل أو حياته.» — طه عبد الرحمن

[ هٰذا المَقالُ مُستلْهَمٌ مِن تَأمُّلاتٍ سابِقةٍ حَوْلَ أَزْمَةِ الجامِعَةِ المَغْرِبِيَّةِ]

د. مهدي عامري

كاتب، أستاذ باحث، خبير في التواصل والذكاء الاصطناعي

منذ سنوات، وأنا أكتب بقلبٍ حزينٍ مثقل، لا بدافع الغضب، بل مكتويًا بلهيب الحب لجامعةٍ طالما تصوّرتها ملاذًا للمعرفة، وبيتًا للكرامة، وفضاءً لنهضة العقول الحرة. غير أن هذا الحلم تهاوى تدريجيًّا أمام عيني وذاب في النسيان، بعد أن تحوّل الحرم الجامعي إلى مسرحٍ للزيف، تتقدّم فيه المصالح على المبادئ، ويعمّ داخله الصمتُ المتواطئ على حساب صرخات أولئك الذين لا يزالون يقاومون. لم أكتب يومًا من باب التهجّم أو التشهير، بل بنيّة التحذير والنقد البنّاء.

فالتعليم ليس مجرّد تمريرٍ للمعلومات، بل هو شرارة يقظة، وفعل مقاومة، وإيمانٌ عميق بأن الكلمة الصادقة قادرة على إحداث الشرخ الأول في جدار التواطؤ.

لقد رأيت، وما أقساه من مشهد، زملاءً يحوّلون رسالتهم إلى امتياز، ودروسهم إلى بضائع، وطلبتهم إلى زبائن. وكنتُ مراقبًا لتجاوزاتٍ تتكرّر بلا مساءلة، وأطروحاتٍ تُناقَش دون أن تُقرأ، وعلاماتٍ مبالغٍ فيها تُمنَح بلا ضمير. ورأيت – وهذا الأشدُّ ألمًا – مَن بقي متمسّكًا بالمبادئ ينسحب في صمت، منهكًا، محبطًا، فاقدًا للأمل.

وعندما تجرأتُ على الكلام، لم يأتني الردّ على شكل نقاشٍ علمي، بل في صورة لومٍ حريص على “صورة” المؤسسة، وكأنّ الحفاظ على الواجهة أهمّ من معالجة التصدّعات العميقة. لكنّي لستُ ممّن يؤثرون الراحة على الصدع بالحق، وأؤمن أن الصمت في حضرة الظلم خيانةٌ بطيئة.

ها هي الوقائع اليوم تنطق، والفضائح تُكشَف، والتحقيقات تتوالى. ومع ذلك، لا أحد يتحرّك. القوانين لا تُطبَّق، والمفسدون يزدادون جرأة، والمسؤولون يكتفون بالمراقبة الصامتة، بينما نحن لا نحتاج إلا إلى قليلٍ من الشجاعة، وإلى تنفيذ القانون بحقّ قلّةٍ من المتلاعبين، ليصيروا عبرةً للآخرين. لكن يبدو أن هذا العبث يُرضي البعض، وأن الفوضى باتت جزءًا من النظام.

 

وا أسفاه! آفة حارتنا الفساد… اللهم إني بلّغت، اللهم فاشهد..