الصحافة بمهنية ورؤية إبداعية

بنكيران وأخطاء خطاب فاتح ماي.. “ميكروبات وحمير السياسة والإعلام والنقابات”

في علم التواصل: هناك مرسل ومستقبل ورسالة وقناة للتواصل وهدف تواصلي، إذا ما هو هدفك التواصلي هنا السيد بنكيران؟ أم هو خطاب بدون هدف، يشبه خطاب المقاهي، و”ولاد الدرب”

محمد الشنتوف| صحفي، باحث في الإعلام والتواصل وتدبير الأزمات

قبل يومين كتبتُ مقالًا ” افتتاحية جريدة مغرب بريس تيفي”،أعتمد فيه على معطيات تؤكد أن عبد الإله بنكيران يستحق الفوز بولايته الجديدة على رأس حزب المصباح، على صعيد إنجازات الرجل التواصلية والسياسية، في محطات بعينها، وعلى صعيد الديمقراطية الداخلية للحزب، وعلى صعيد ما أنجزه الحزب في المشهد السياسي المغربي في فترات قيادته.

اليوم أكتب عنه وله، لأقول:

إن ما تفوهتَ به في فاتح ماي، وللأسف، يخرق كل قواعد التواصل السياسي اللبق على الصعيد الخارجي. فالتواصل السياسي والمؤسساتي له قواعد، “وماشي غا جيب يا فم وقول”.

فهل يسمح لنا السيد عبد الإله بنكيران بهذا “الرأي الصحفي” و”التحليل المتخصص”، أم سندخل نحن أيضًا في دائرة من وصفهم بالميكروبات والحمير؟

الاختلاف لا يبرر الإهانة

أن تختلف مع أحد، لا يعني أنه “ميكروب” و”حمار”. هؤلاء أشخاص كرمهم الله بصفات الإنسان، ولديهم أفكارهم التي تختلف عن أفكارك، وهذا أمر طبيعي في مجتمع متعدد.

هل ستُجبر الناس على تبنّي مواقفك وقناعاتك وأفكارك؟ في هذه الحالة، ما الجدوى من السياسة؟ ومن آليات ومؤسسات تدبير الاختلاف؟ ما الجدوى من التواصل؟

ولو أرادها الملك بهذه الطريقة، لاستفرد بجميع السلط، وعيّن من يشاء في المناصب الحكومية، ولألغينا الانتخابات.  

ملك البلاد ودستور البلاد وروح البلاد تؤمن بالتعددية والاختلاف، حتى في القضايا المصيرية، الدولة تسمح بمختلف الآراء، وتحاول أن تجد طرقًا لخلق التوازنات.

أما الآراء التي لا تحترم ذلك العقد الأخلاقي بين الوطن والمواطن، ولا تحترم المصالح العليا للبلاد، فالقانون يفصل فيها، وهذا هو منطق الدولة.

خطاب التناقضات… والتواطؤ الضمني

قلت عن النقابات أنها “مرتزقة”، ووصفتَ فاعلًا نقابيًا وسياسيا سابقًا (ربما تقصد شباط) بأقبح الأوصاف، وأشرتَ أنك تقول كلامك بناءً على تجربتك كرئيس حكومة سابق، مما يعني أنك كنت تتواطأ مع “هذه النقابات” و”هذه القيادات النقابية” لكي تمر مرحلتك الحكومية بسلام، والآن تخرج لانتقادها في خطاب “سياسي واضح”، هل هذا صحيح؟

إذا كانت هذه النقابة كمؤسسة من مؤسسات الدولة غير جديرة بالاحترام من طرف زعيم حزبي وحكومي سابق، لماذا تعاملت معها؟

وما الجدوى منها؟ وما الجدوى من كلامك عنها بهذه الطريقة في عيد العمال؟ لديك معلومات دقيقة، قدمها لنا، خاطب من تصفهم بالميكروبات بشكل مباشر، ليكون خطابك منطلقا للتدبير والتعامل مع الموضوع بدقة، سواء من طرفنا كصحافة أو من طرف باقي المؤسسات.

هل تريدنا أن نُلغي التواجد النقابي؟ ونكتفي بالتعامل مباشرة مع أرباب المقاولات وزعماء السياسة؟

في علم التواصل: هناك مرسل ومستقبل ورسالة وقناة للتواصل وهدف تواصلي، إذا ما هو هدفك التواصلي هنا؟ أم هو خطاب بدون هدف، يشبه خطاب المقاهي، و”ولاد الدرب”

 أزمة الخطاب السياسي وخلط الأوراق التواصلية في التجمعات الخطابية

هذا المعجم الخطابي السياسي لعبد الإله بنكيران “لا يساهم إلا في تأزيم” التواصل السياسي والمؤسساتي بين الفاعلين. أن تتحول كل مناسبة خطابية لموعد لتقريع الخصوم – أو حتى الفاعلين – فهذا أمر يدعو للاستغراب.

فالنقابات ليست خصمًا للأحزاب، بل هي ذراعها النضالي في سوق الشغل في الكثير من النماذج. وبالتالي، عندما نرى هذا النوع من الخطاب، جاز لنا أن نطرح السؤال:

ما هو النموذج التواصلي السياسي والمؤسساتي الخارجي الذي يصدره لنا زعيم المصباح عبد الإله بنكيران؟

 بين الخطاب المؤسساتي والانتخابي والانفعالات العاطفية أمام التجمعات الخطابية

سؤال أخير نختم به: هل هو خطاب مؤسساتي وسياسي مسؤول في محطة احتفالية بعيد الشغل، تقتضي الحديث عمّا تقدّمنا فيه وما يجب أن نتقدم فيه بلغة الوضوح والشفافية؟

أم هو خطاب سياسي انتخابي هدفه الفوز ببعض العواطف، مهما كان الأسلوب والطريقة والمضمون؟

أنا أعرف، وبنكيران يعرف، أن هذا ليس جديدًا على معجمه التواصلي في التجمعات الخطابية. لكنه لم يعد مقبولًا. ومن حقنا كفاعلين ألّا نقبل خطابًا لا يمثل قيمنا، ولا حتى قيم “الحزب الذي يقوده”، حسب فهمنا البسيط.

الرجل بنى خطابه السياسي على الفوز بالعواطف في كثير من محطات التجمعات الخطابية. نكاد نقول إن خطابه في التجمعات الخطابية يختلف عن خطابه السياسي الحزبي المؤسساتي الداخلي.

ربما هنا تبرز مؤشرات رؤية واستراتيجية تواصلية سياسية، تضم خططًا تواصلية متعددة للزعيم وللمؤسسة:

– ما هو مرتبط بالتواصل الخارجي

– ما هو مرتبط بالتواصل الداخلي

– ما هو مرتبط بالسياقات وفضاءات التواصل

سبق وشرحنا ذلك في مقال سابق. فهو لا يتحدث عن البرامج في كثير من خطاباته، لا يركز على طرق حلّ المشاكل، بل يتحدث بلغة التقريع تجاه الخصوم وباقي الفاعلين، وبأسلوب يعتقد أنه سيكون في صالحه. إنما العكس هو ما يحدث، كثير من الكلام الذي يقال، ليس سوى مضيعة لوقتنا كمتابعين ومهتمين، نتصور أحيانا اننا سنستمع لخطاب مفيد، وليس خطابا موجها للاستهلاك الاعلامي والتسويق السياسي، وصناعة” البوز السياسي” عندما يتحدث الأزمي او بووانو او بنكيران نفسه بالمعطيات عن تضارب المصالح او غيرها نحترم معارضته، ولا ندخل هذا الكلام في إطار العملية التواصلية ” الشعبوية” بل وصفناها بالشعبية” لأنها تتفاعل مع هموم الشعب” أما مثل هذه الخطابات، فهي شعبوية أكثر من اللازم، وتنتمي لمجال التسويق السياسي، الذي يستند على خطابات” لغة السوق” التي تعتمد على الإثارة، والعاطفة، وهذا نوع من أنواع التسويق السياسي فقط، هناك أنواع أخرى يجيدها حزب العدالة والتنمية، وبعض من قادته، إنما بنكيران يمزج بين هذا وذاك، ويلاحظ أنه في مثل هذه التجمعات، يخرج ورقة خاصة في التواصل السياسي والتسويق السياسي، ربما جاز لنا وصفها بورقة ” البلطجة التواصلية”.

 بلطجة تواصلية… ونماذج موازية

أنا مثلًا كمواطن – وليس كصحفي أو متخصص – لم يعجبني ما قاله بنكيران، وكيف وصف خصومه، وكيف حوّل مناسبة احتفالية بعيد العمال إلى منصة “للشتم والسب السياسي”.

هذا النموذج لا يرقى بالخطاب السياسي المغربي. ويخيّل لنا أننا لسنا أمام زعيم حزبي – اعترفنا له في مقالنا السابق بقدراته على القيادة والتواصل السياسي الحزبي والمؤسساتي – بل نحن أمام “بلطجة تواصلية سياسية” لا أعرف ما الداعي لها منطقيًا؟

 

أما “الداعي لها عاطفيًا”، فذلك أمر واضح. هذا النموذج الخطابي موجود في المعارضة، وهناك نماذج تشبهه داخل النقابات، كأن يصف الميلودي موخاريق وزير الشغل بـ”مول الشغل”، وبدل التركيز على مناقشته بالحجج، يُضيع وقتنا في الاستماع لكلام فارغ لا يُغني ولا يُسمن من جوع.

أيضًا، نماذج أخرى من داخل أحزاب الأغلبية، وهناك نماذج في الإعلام كذلك، قد نفصل فيها لاحقا.

 نحو نموذج تواصلي بديل

هذه النماذج تجعلنا نطرح السؤال حول النموذج التواصلي السياسي والمؤسساتي الذي يصدره لنا الفاعلون بالمغرب؟

هذا النموذج لا نزال بصدد فهمه ودراسته بشكل خاص وعام، لنخرج بالخلاصات التي قد تُفيد فيما قد يأتي، إذا كنا فعلًا نهتم بالبحث عن نماذج تواصلية احترافية في التعامل بين المؤسسات والفاعلين بالمغرب.