الصحافة بمهنية ورؤية إبداعية

حزب العدالة والتنمية .. ونموذج التواصل السياسي ” العاطفي والذكي” بالمغرب.. وعوامل استحقاق بنكيران.

من الأمور الجيدة في التواصل السياسي،أن تنصت كفاعل سياسي لتفاعلات الرأي العام مع نبضك التواصلي، وتتفاعل معه بذكاء وعاطفة مفكر فيها

محمد الشنتوف | صحفي، باحث في الإعلام والتواصل وتدبير الأزمات

اعتدنا أن لا يتحدث الصحفي عن السياسي، إلا لينتقده، كأن من لا ينتقد ويستفز سياسيا،ليس بصحفي، هل هذا معقول؟، اليوم جئت لأنتقد بعض الروايات، وأحلل بعض التفاصيل، لا لأكون صحفيا في نظر البعض، ومحللا في نظر البعض الآخر ولكن لأن الإنتقاد وجه من أوجه العمل الصحفي، وهناك أوجه أخرى، لا بد للمدح أن يكشف عنها، لا ليتزلف الصحفي للسياسي، أو للمسؤول، مثلما لا يكرهه عندما ينتقده ويذكره بتفاصيل زمن الأخطاء في حق الوطن، بل لأن العمل الصحفي الوطني يفرض ذلك، المهم أن لا يطلب منك أحد أن تكتب، فتكتب، المهم أن تكتب أنت لتعبر عن نبض السياسة في بلدك، فكما تقول حنا أرنت في كتابها ” ما السياسة”، ” لا حياة من دون سياسة”، وأنا الذي وجدت نفسي أتعلم من كتب السياسة وكتب الإعلام، ودرست على يد الساسة والإعلاميين، هناك بمدينة العرفان بالرباط، وبسايس فاس، كيف لي أن أتحدث عن السياسة كصحفي، فقط لكي أردد كلام المقاهي الذي ينتج معنى لا فائدة من فهمه والإيمان به:” لا سياسة في هذا الوطن، ولن أهتم”، ماذا لو لم نهتم جميعا؟ وهل كنا مهتمين يوما؟ لماذا نعيب زماننا والعيب فينا وما لزماننا عيب سوانا، وما قاله الشاعر عن فرضية الموت الرحيم للضمير وللمواطن، حتى يهجوه لسان الزمان.

الوضع القاتم، والسواد الناصع لا يحتاج لريشة الرسام ولا لدعاية الصحفي، ولا لعظمة السياسي، بل لروح المواطن وضمير الإنسان، هي مقدمة مقال، تكتب في حضرة مقام، قد تقدم ولكنها لن تأخر، لنمر..

 

المؤتمر التاسع لحزب العدالة والتنمية

إنتهى مؤتمر حزب العدالة والتنمية بفوز “صاحب المقام” عبد الإله بنكيران، بولاية رابعة،على رأس حزب جاز له أن يتميز في ساحة التواصل السياسي بالمغرب، ” الزاوية السياسية” و”المقام المقاوم” على حد تعبير البعض، شعارات المؤتمر التاسع توحي بذلك، هتافات الجماهير تحكي عن أثر قوي لتأطير سياسي واضح، هناك عقيدة سياسية، ومنهج، هذا من بين ما يتميز به حزب العدالة والتنمية، على مستوى مؤشرات التواصل السياسي الحزبي والجماهيري، نقطة تحسب للحزب، في مقدمة التحليل.

التواصل السياسي بين الذكاء والعاطفة

في العنوان ذكرت ” الذكي والعاطفي” لعدة إعتبارات سأذكر بعضها، حسب فهمي للتواصل السياسي، وليس للسياسة، هنا حديثنا عن التواصل السياسي فقط، أما السياسة،فتلك قصة أخرى، وطبعا هناك فرق بين السياسة والتواصل السياسي، قد نفصل فيه لاحقا، لكن ما يمكن قوله الآن هو أن “التواصل السياسي ”  فن من فنون السياسة، وفن السياسة أعمق وأشمل، التواصل السياسي، حقل داخل السياسة، مثلما ان التواصل الأسري حقل داخل الأسرة، هناك حديث عن مؤسسة الأسرة، وهنا حديث عن المؤسسات السياسية، وعن الفاعلين، لنمر، حديثي هنا أيضا عن عوامل استحقاق بنكيران لولاية جديدة ” تواصليا”، وربما ” حتى سياسيا”.

إختلف مع بنكيران كما تشاء ولكن

إختلف معه كما تشاء، لكن، إياك أن تنكر أن بنكيران رجل تواصل سياسي بامتياز وبذكاء وعاطفة “،كي نعجل في تحليل ” الذكاء” التواصلي والذكاء العاطفي في ” الشخصية التواصلية البنكيرانية” نذكر بعض ملامحها بعجالة من خلال مقاربة الفعل السياسي للقائد التاريخي للعدالة والتنمية من زوايا معينة.

هناك قائد تاريخي للأرجنتين وكرة القدم عبر التاريخ إسمه “ميسي” وهناك قائد للعمل الحزبي بالمغرب والتواصل السياسي المغربي عبر التاريخ ” إسمه بنكيران”.

مؤشرات مساره توضح ذلك، ومؤشرات 2011 و2016، و2021، و2025، تبصم على ذلك، البقية، أقول لكم لا تقلقوا ، هذا مجرد رأي، ولكل مقام مقال، ولكل المقامات، توقير واحترام، الخط لعوامل التأمل في ” هذا النموذج التواصلي السياسي المغربي” الفريد من نوعه:

أولا: عبد الإله بنكيران ودعم وزارة الداخلية

إثارة هذا المعطى، يخدم الحزب على مستوى تواصله العريض مع الجماهير، ويزكي نظرية “المؤامرة تجاه الحزب” .

فالناس يقرؤون العناوين ولا يبحثون عن التفاصيل، يصدرون الأحكام بسرعة تفوق سرعة ” قطار الرباط الجديد الذي دشنه الملك محمد السادس نصره الله” على بعد أيام من المؤتمر الحزبي، الأحزاب تشتغل، والمكتب الوطني للسكك الحديدية يشتغل، وكفاءات المغرب تشتغل، و المؤسسة الملكية تشتغل، هذا هو المغرب المؤسساتي، والمغرب بهذا المنطق يتقدم،رغم أن هناك من لا يشتغل،بل ويعرقل، لكن القافلة تسير، والقافية تبحث عن المعنى”.

العنوان هو أن وزارة الداخلية منعت عن الحزب مستحقاته المالية، والمعنى الذي يفهم ضمنيا:

الحزب، يحارب من مؤسسات الدولة،  هل يعقل هذا، حرب مؤسسات في المغرب؟

وبالتالي جاز للمواطن البسيط أن يتعاطف معه، لأننا شعب ” العاطفة” نجر عادة للتعاطف مع المظلوم، حتى لو كان فقط مظلوما في العنوان، وغير مظلوم في تفاصيل الملف عندهم في السياسة، أو الخبر عندما في الصحافة، كأن يكون هذا الدعم مؤجلا فقط، نظير إشكاليات مسطرية وقانونية، أو سوء فهم قانوني من هذا الطرف أو ذاك، مثلما أكد ذلك كل من عبد الإله بنكيران وإدريس الأزمي.

ثانيا: عبد الإله بنكيران وسلوك طلب الدعم الحزبي من المنتمين والمتعاطفين “

هذا السلوك السياسي المطلوب داخليا بشكل أكبر، وخارجيا بشكل مجازي، يقدم مثالا واضحا لما قدمناه في تفسير المعطى الأول، وتأجيل دعم وزارة الداخلية خدم الحزب، أعتقد أن وزارة الداخلية قدمت هدية تواصلية سياسية للحزب،لم يفوت عبد الإله بنكيران مسألة الاستثمار فيها، وقال أنه سيتوجه للمحكمة الإدارية، هنا يتحدث بالقانون وبمنطق المؤسسات، وعندما قال أن ” قاعدة” الحزب استطاعت أن تضخ في خزينته أزيد من 100 مليون سنتيم في يومين، أكد أن “العاطفة تحرك الجماهير في السياسة”،وأنه قادر على الفوز بعاطفة الجماهير،  وأوضح اننا أما حزب قوي وسلوك حزبي متضانمن وقوي، وإذا استطاع ” الفاعل السياسي والقائد الحزبي” “المخضرم” عبد الإله بنكيران، أن يكسب عاطفة الجماهير ” العينة الجماهيرية” داخل حزبه، ألا يكون ذلك مؤشرا على إمكانية كسب عاطفة ” جماهير الكتلة الناخبة” بالمغرب تفاعلا مع هذا الحدث بالضبط؟،  وربما جاز لنا طرح السؤال التالي:

” هل ساهم سلوك الداخلية مع الحزب في إعطاء جرعة مضاعفة لنجاح المؤتمر؟

وعليه نبني فرضية طرح السؤال الأخير هنا: ألا يمكن أن يكون سلوك الداخلية سببا من أسباب نجاح الحزب في الاستحقاقات الانتخابية المقبلة؟ عكس ما قيل في بعض التحليلات؟

ثالثا: قانونية الدعم وردة فعل بنكيران

من الأمور الجيدة في التواصل السياسي،أن تنصت كفاعل سياسي لتفاعلات الرأي العام، مع نبضك التواصلي، وتتفاعل معه بذكاء وعاطفة مفكر فيها، عبد الإله بنكيران ذكي في هذا الجانب، التقط إشارة ذكر ” عدم قانونية طلب ” الإحسان السياسي”، وتفاعل معها من داخل أعمال المؤتمر، متهكما” ديوني للحبس”، مما يعني أن هذا الموضوع بالنسبة لبنكيران ليس مجرد حدث عابر، وإنما أعتقد ” والله أعلم” أن بنكيران بتجربته الطويلة، وشخصيته التواصلية ” الشعبية” وليس ” الشعبوية ” في هذا الباب، عرف أن سلوك الداخلية مع الحزب، وسلوك الحزب وتفاعله مع نداء ” الزاوية السياسية”بتعبير ما،والحزب ” بتعبير آخر ” وتفاعل بعض مكونات الرأي العام، سواء العام منه ” المغاربة” ، أوالخاص ” باقي الفاعلين” بما فيهم “الإعلام” كفاعل رئيسي في العملية التواصلية بين الفاعل السياسي والرأي العام، عرف أن هذه المعطيات، جاز لها أن تقدم له فرصة سانحة للتسجيل في شباك من يهمهم الأمر، وقام بسرعة ودقة وحنكة تواصلية سياسية بتنفيذ ركلة جزاء في مرمى خصومه بمختلف أشكالهم، ناهيك أنه يعرف أن سلوكه قانوني، ومصادر تمويل الأحزاب لها ضوابط، يعرف الزعيم بنكيران أنه لم يتخطى حدودها الحمراء، وأن حزبه ينضبط للقانون.

رابعا: بوعشرين، وبنكيران، وعاطفة الجماهير

قدم الصحفي توفيق بوعشرين تعليقه على خبر إنتصار بنكيران، ومن بين ما قدمه، حديث في السياسة عن ” التعاطف”، قائلا، أن الحزب صوت على بنكيران بالعاطفة وليس بالمنطق، مما يعني أن العاطفة، حسب المتابعين، وهنا نتحدث عن صحفي متابع وملم بأبجديات علاقة الصحافة بالسياسة وعلاقة التواصل السياسي بعاطفة الجماهير، يعني أنها ” أي الفوز بالعواطف في السياسة ” فعلا، تعد من أبرز أهداف الفعل السياسي.

في السياسة ليس ضروريا أن تقنع الناس سواء داخل الأحزاب أو خارجها، البرامج لا تطبق عادة، لكن العواطف في السياسة تنتصر دائما، وإذا نجح الفاعل السياسي في الفوز بالعواطف، استطاع أن ينتصر على أصعب العواصف.

وهذا ما فعله ويفعله بنكيران بجدارة غالبا.

خامسا: العدالة والتنمية بين عواصف وعواطف 2011.. التواصل السياسي وتدبير الأزمات بالمغرب.

حكاية العدالة والتنمية وزعيمه عبد الإله بنكيران مع عواطف وعواصف السياسة لم تبدأ اليوم، ففي 2011، استطاع أن يعيد الكثير من المغاربة لصناديق الاقتناع بجدوى العمل السياسي ونمط الآقتراع،  نظير تبنيه لخطاب سيطر على عاطفة المغاربة، وجاء في ظرفية خاصة،  ميزتها العواطف الجياشة، والعواصف الصعبة في المنطقة ككل، حركة عشرين فبراير ومختلف مكونات الشارع المغربي،تفاعلت أيضا مع خطاب هذا الحزب، بطرق مباشرة أو غير مباشرة، نحن نقيس هنا تأثير السلوك السياسي التواصلي على ” تدبير الأزمات والحركات الاحتجاجية”، من سينكر أن حزب العدالة والتنمية ساهم إلى جانب المؤسسة الملكية وخطاب الملك التاريخي في سنة 2011، والاعلان عن الانتخابات وتغيير الدستور، ساهم و ساهمت مؤسسات الدولة السيادية والسياسية والاجتماعية ككل، في تدبير أزمة صعبة؟ من ينكر ذلك؟

  كنا ألوانا مختلفة، و كل ساهم من جانبه في تدبير أزمة من أزمات المغرب..

إنما من جانب آخر، كنا أمام حزب ساهم بخطاباته وحركاته السياسية في تدبير الأزمة، وهذا ما يهمني كمؤشر لتحليل الموضوع بدقة، وكمتخصص لا بد أن أنبه أننا لا نحلل بناء على التأويلات والآراء الشخصية والخلفيات والأحكام الجاهزة، حتى رأينا الشخصي لا مكانة له ولا أهمية له هنا، وإنما بناء على المؤشرات والنتائج الواقعية، بوضوح تام، حزب العدالة والتنمية، ساهم في إعادة المحتجين إلى ديارهم في 2011، وساهم “وهذه نقطة مهمة جدا” في إعادة الثقة للعمل السياسي، نظير تواصله السياسي الذي لم يكن مبنيا بدرجة كبيرة على لغة الإنجاز، وإنما على لغة الإعجاز في الفوز بالعواطف، من لم يصوت في حياته صوت على حزب العدالة والتنمية، والخلاصة التي تهم معشر المتخصصين هنا:

نحن فعلا أمام نموذج حي لحزب سياسي، ثم لفعل سياسي، ساهم في تدبير أزمة من أزمات المغرب الكبرى في العصر للحديث.

هذا النموذج يستحق الدراسة الأكاديمية والتحليل المنطقي، لاستخلاص الدروس والعبر، والاستثمار فيها في حديثنا عن التواصل السياسي بالمغرب.

سادسا: بنكيران وعاصفة 2021 وعاطفة 2025.

أما في عاصفة 2021، ورغم أن بنكيران غادر المنصب الحكومي “معفيا” نظير عدة أسباب، ورغم أن بعض “رموز الحزب” تنكرت له، حسب تحليلات ومعطيات عديدة، إلا أنه عاد ” ليحكم قبضته على عاطفة الجماهير” وفاز بولاية جديدة على رأس الحزب، وفي 2025، لم يكن متوقعا أن يخسر الرهان، لأنه الورقة الرابحة للحزب، ولكن هذه المرة، وربما أختلف مع بوعشرين، ” بالمنطق والعاطفة معا”، و  ليس بالعاطفة فقط، فأقوى شخصية قيادية وتواصلية داخل الحزب هو عبد الإله بنكيران، رمزيا لا زال هو الرمز البريدي الذي جاز للمغاربة إعادة الإهتمام به، لإرسال رسائلهم لمن يهمه الأمر، ولا زال قادرا على التأثير في حزبه، هل هناك مؤشرات أكبر من هذه، يمكن من خلالها أن نقيس نجاح فاعل سياسي من عدمه في مسألة التواصل السياسي والتأثير في الرأي العام.

سابعا: أمينة ماء العينينن وبنكيران وبوانو والأزمي..والدرس الديموقراطي” البيجيدي “

طبعا هناك من يطرح السؤال: وأين أمينة ماء العينين؟ الجواب هو أن الدرس الديموقراطي البيجيدي يفرض ذلك، أمينة ماء العينين قيادية بارزة بالحزب وكفاءة وطنية يفتخر بها، إنما المنطق يفرض عدم الخوض في تجربة لا تسمن ولا تغني من جوع سياسيا أو تواصليا، كان بإمكان الحزب ترشيح أمينة ماء العينين، ليسكت أصحاب نظريات المآمرة على المرأة بالمغرب..يرشحها كإمرأة، لا لتفوز، ولكن ليقول لنا هذا الحزب العظيم، أنه قام بإنجاز و رشح إمرأة، أليست المرأة كالرجل؟ والقضية قضية تفاصيل دقيقة، تمنحنا إمكانية الاختيار والقرار، في السياسة أو في الحياة، المرأة والرجل يقودان المسار والمسيرة.

ترشيح إمرأة فقط من “باب المكياج السياسي” هذا عيب، و يحدث كثيرا في النموذج السياسي المغربي.

إنما حزب العدالة والتنمية، وأمنية ماء العينين لو سألتها،ستقول لك، ما فعله الحزب هو عين الصواب، أما عدم ترشيح أمينة وغيرها الكثير من كفاءات “سيدات حزب المصباح”، لا ينقص من قدرهن ومكانتهن، الحزب حزب مغاربة ومجتمع، والمرأة والرجل هما المجتمع، أما ترشيح الثلاثي الأزمي وبووانو وبنكيران، من طرف برلمان الحزب، وفوز شيخهم، هو أيضا وجه من أوجه الدرس البجيدي الديموقراطي، الديموقراطية تفرض منطق الترشيح ومنطق القائد، ولكل قائد في مرحلة ما، خضائص محددة، هذه الشروط والخصائص تجتمع الان في بنكيران دون غيره، وغدا قد تخلفه أمينة أو يخلفه الأزمي او بوانو او حامي الدين.

“لحظة الإعلان عن فوز بنكيران”..تأكيد على الدرس الديموقراطي البيجيدي”

أما ما تلى لحظة الإعلان عن النتائج، يعني أن الحزب يقدم فصلا جديدا من مشاهد الديموقراطية داخل الأحزاب بالمغرب، رشح الحزب من شاء وفاز من أراده الحزب أن يفوز، وتصافح المرشحون وبارك هذا لذاك، وبارك الثنائي لبنكيران، واستلم بنكيران برقية تهنئةمن جلالة الملك محمد السادس نصره الله، سنخصص لها مقالا خاصا، وانتهى الموضوع، هذا هو التواصل السياسي لزعيم ومؤسسة وفاعلين، وجاز لنا أن نفتخر به في المغرب..

هناك تواصل مؤسساتي في المغرب.

الملك يقدم نموذجا لسلوك مؤسساتي قبل أن يعبر عن فلسفة واجب القيام به، في مضمون الرسالة السامية” مصلحة الوطن فوق كل اعتبار”، الملك اختلف مع بنكيران، أو غضب من بنكيران، تلك شؤون أهل الدولة، وشؤون المؤسسات، والآن نحن أمام تواصل مؤسساتي بين ملك و زعيم حزبي وحزب وطني ، ساهم ويساهم في العمل السياسي المغربي،  هل كان ينتظر احدهم أن لا يهنئ الملك بنكيران؟، الملك رجل سياسة، من نبلاء السياسة في التعريفات الأكاديمية، وفي عهده آمنا بمغرب المؤسسات، وأمنا بمغرب التنوع والاختلاف، والحرية والديموقراطية، ونحن الآن امام سلوك تواصلي مؤسساتي مغربي رفيع المستوى ومطمئن، نظير ما يرتبط به من حيثيات..

الخلاصة: نحن في دولة.

الحديث هنا حديث تواصل سياسي، وليس حديث غضب على قرارات سابقة لحكومة بنيكيران أو عن أخطاء الإخوان، أو خصوماتهم مع الحكومة المغربية الحالية، أو عن تفاعلات مضت، الحديث عن الحاضر وعن المستقبل إبان تحليل مشهد من مشاهد تاريخ العمل السياسي بالمغرب، صدق أو لا تصدق، أنت أمام نموذج حي، للحياة السياسية في المغرب في القرن الواحد والعشرين.

ثامنا: ” تصدير الديمقراطية الحزبية نحو الجماهير الشعبية”

ربما هذا المؤشر، لم يتحدث عنه أحد، لم ينتبه له المنتقد، ولا حتى المحب.

حزب العدالة والتنمية من دون شك، يصدر نموذجا ديموقراطيا للمغاربة، مهما اختلفت مع أصحابه لا بد أن تحترمهم، وإلا ستكون حاقدا أو مؤجورا أو تحتاج لجلسة تأمل هادئة.

المؤتمر كان محط إهتمام، على غير العادة وبالتزامن مع العديد من المؤتمرات، لا أجد صدى لتلك المؤتمرات على حسابات “الفسابكة” “كمؤشر هام”وعام، يرتبط بمكون هام وخاص، عالم الرقمنة والتواصل السياسي بالمغرب، الصحف كتبت والتفاعلات إنطلقت، وكل يغني على ليلاه، ويؤول تارة حسب هواه، حتى برقية جلالة الملك لبنكيران لم تسلم من التأويل، ولم تنل ما تستحقه من توقير من طرف البعض، فجاء الأستاذ عمر الشرقاوي المحترم مثلا، ليقارن هذا بتلك، والاخر بذلك،  وضع رسائل الملك تحت المجهر، ولكن ليس وضعا أكاديميا رغم أن صاحب التحليل أكاديمي، بل كان تحليله يميل ميلا نحو “الميلان”، هل يعقل أن يفكر الملك بهذه الطريقة؟، ماذا تقول يا رجل؟ ذاك ملك، هل تعرف معنى ان تكون ملكا؟، هل قرأت لميكيافيلي، ام سمعت عن هوبس،  المعنى الذي فهمته شخصيا، أن الملك يقوم بواجب التهنئة بأسلوب أنيق وعظيم يليق بحزب وطني عظيم، الملك حر في اختيار عباراته، ولكن السلوك سلوك دولة، حتى شكل الرسالة، ملكي، الخط ملكي، والمضمون ملكي، تحليله اكاديميا، يعلن عن نموذج للتواصل السياسي والمؤسساتي المميز بين الفاعلين بالمغرب،وليست رسالة لتصفية حسابات كما فهمنا من تحليل الأستاذ الجامعي المحترم، لكنه أمر طبيعي وصحي وديموقراطي في نهاية المطاف.

المهم أن لا نصل لدرجة “الوقاحة ” في التعامل مع رموز الوطن ومؤسسات الوطن، فالحزب مؤسسة من مؤسسات البلاد، والملك رمز للبلاد، ومن لا يؤمن بالمغرب المؤسساتي، والأمل المؤسساتي في المغرب، لا حق له في الإنتقاد غدا، شارك اليوم بنضج، أو أصمت للأبد، حلل كما تشاء، هذا أيضا صحي، ولكن تقبل ما سيقال عن تحليلاتك، هذا أيضا صحي، مع واجب التوقير للعلم ولرموز الوطن ومؤسساته.

وعلى عكس ما روج، خطاب الملك للحزب ولينكيران ضم تثمينا وإشادة ومتمنيات بالنجاح، ولنقل تأكيدا على أن المصالح العليا للوطن فوق كل اعتبار، وهو توجه نؤمن به جميعا، المغرب فوق كل اعتبار، والحزب ” اعتقد” أنه يعي ذلك جيدا.

تاسعا:بنكيران وقصته العظيمة مع العدالة والتنمية.. والبيجيدي وقصته العظيمة مع السياسة.

هنا سنتحدث عن قصة، قصة زعيم ومؤسسة، سنحلل السلوك التواصلي المؤسساتي لزعيم الحزب في مرحلة قيادته الثالثة، نبني على ما سبق لنفترض ما قد يأتي، كان الرجل أولا ناجحا، وبدون مجاملة، في تقديم صورة جيدة جدا على تدبير التواصل السياسي المؤسساتي المغربي أثناء مرحلة قيادته الثالثة،اجتماعات منتظمة، وخطابات مستمرة، وحضور وتفاعل مع مختلف القضايا، بالقوة والدقتين اللازمتين، ندواته الصحفية كانت غنية بالمعطيات، وهنا نتحدث عن تفاعل صحفي مع مجهود اعلامي لمؤسسةحزبية، عند مقارنة معطيات ندوات الحزب بندوات الحكومة، وأقصد هنا ندوات الناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى بايتاس، نجد مؤشرات قوة ” البيجيدي ” التواصلية، باستراتيجيته التواصلية ” الشعبية ” وليس ” الشعبوية”، وخبرة كفاءاته في مختلف مجالات العمل البرلماني، إذا هنا نتحدث عن تواصل حكومي أمام تواصل المعارضة، المفاجأة هنا أننا نتحدث عن مجموعة نيابية، تعتقد كمتابع للشأن السياسي في بلادنل أنها تقود المعارضة، هذا مؤشر آخر، ثم إذا تحدثنا عن التواصل البرلماني المؤسساتي، الحزب يطرح الأسئلة الكتابية والشفوية، يناقش في اللجان، الحزب يشتغل بقوة، وبحضور طغى على باقي ألوان المعارضة، رغم أن مجهودات فريق السنتيسي أو فريق الجرموني ممتازة أيضا، أو نبيلة منيب، وغيرهم الكثير في المعارضة، لكن مجموعة البيجيدي تتقدم في النتيجة والتوقيت، تخيل معي، انت تتحدث هنا عن مجموعة نيابية تنتمي لقسم الهوات انتخابيا، فعاصفة 2021 صدمت العدو قبل الصديق، إنما لم يمت حزب العدالة والتنمية، وعاد بنكسته الانتخابية ليزعج الكبار ويكون رقما صعبا في معادلة العلاقة بين المعارضة والأغلبية، بين حكومة عزيز أخنوش ومعارضة عبد الإله بنكيران، هذا دون أن يكون بنكيران في البرلمان.”

بوانو من البرلمان، الأزمي من مقرات الحزب، بنكيران من “الصالون’، آمنة ماء العينين، من مكان ما، والبقية من مختلف الأماكن”.

وتعرفون طبعا دور عبد اللإله بنكيران في هذا الفصل من القصة، في سباق العودة من الموت، لقد عاد مرتديا ثوب المنقد، ويبدوا انه نجح نسبيا في المهمة، فهذا المؤتمر دليل على نجاحه، وإن فشل بنكيران في الانتخابات المقبلة، فنجاحه لن يمحى،  لقد عبر الرجل عن خصوصية اللحظة بالنسبة إليه، لننظر إليها كقصة شخصية لبطل ما، بتجربة ومسار الزعيم عبد الاله بنكيران، وبخصوصية تجربة حزب العدالة والتنمية في المشهد السياسي المغربي، يا لها من قصة عظيمة.

عاشرا:بين السياسة والصحافة.. الزعيم والمؤسسة والمجتمع .. أي مستقبل؟

تواصل عبد الاله بنكيران تارة من بيته وتارة من داخل مقرات الحزب، ” التواصل السياسي البيتي” علامة بارزة في ولاية بنكيران الثالثة، وهي نقطة في صالح ” مجهوده التواصلي السياسي” وليس ضده مثلما يقال، ” بنكيران يقود البيجيدي من الصالون”، حتى لو كان ذلك مجازا، فهذا مؤشر على قدرات الفاعل السياسي التواصلية، أينما كان وحيث ما كان، يمكنه أن يتواصل، بعفويته ” المفكر فيها ربما” ولا أعتقد أنها عفوية “خالصة” من رجل سياسي كبنكيران، كان يطل ويتفاعل مع مختلف المواضيع، خاصة تلك التي يكون فيها ” الرأي العام” مركزا على”دائرة الغضب” المرتبط بتفاصيل الحدث، هم يجلسون وسط الدائرة، ويتحدثون بدقة عن التفاصيل، ويتقنون ذلك، تحس بأنك أمام حزب سياسي في زمن موت الأحزاب وموت السياسة، انت أمام فريق منظم، يهاجم ويدافع ويباغث الخصوص بشكل غير متوقع، في تضارب المصالح، في مدونة الأسرة، في صفقات المواشي، في الصحة، وفي التعليم، وفي التشغيل، جميع الملفات أمامهم ترتب، ويلعبون بجميع الأوراق، هذا فعل سياسي يجب أن نحترمه، هل انتقدنا بنكيران والعثماني في الحكومة؟ لما لا نفسح المجال للمنطق لمدحهم إذا ؟

” البيجيديون والبيجديات، يدرسون سلوك أي فاعل سياسي او حكومي. يخرجون فرادى أو جماعات، ويتركون ورائهم أثرا، ولكننا هنا سنثير معهم خبرا،  ربما ما يعاب على بنكيران أنه (وبعض قادة حزب العدالة والتنمية)، لم يتواصلوا مع رجال وسيدات الصحافة بالطرق اللازمة التي يفرضها قاموس التواصل بين السياسي والإعلامي

الإعلامي لا يجب أن يطرح عادة أو غالبا تلك الأسئلة التي تعجب الفاعل السياسي، والفاعل السياسي ليس من حقه التعليق على سؤال الصحفي، السياسي يجب أن يجيب أو يرفض الجواب ويمر، وفي ذلك جواب.

الصحفي هو من يعلق على جواب السياسي سواء كان كلاما أو صمتا، ويلح” بأدب” أو يطرح نفس السؤال بطرق مختلفة حتى يحصل على الجواب، دور الصحفي يتلخص في البحث عن الأجوبة، لتحويلها كما يشاء إلى مادة إعلامية، والسياسي عليه أن يقبل هذا الفصل من فصول اللعبة التواصلية السياسية والإعلامية.والتي يكون هدفها عادة، إصدار أحكام التواصل من مكونات الرأي العام.

الرأي العام من حقه أن يعلق على الطرفين، وفهم الجمهور( بمختلف مكوناته) للسؤال أو تفاعله مع مضمون الجواب، لا يعني أنه صائب بالضرورة، بل يبقى تفاعلا، جاز له ” على الأقل”، أن يكون مؤشرا على وجود علاقة تواصلية بين ” السياسة والإعلام والمجتمع”.

أما بخصوص المستقبل:

فأتمنى أن يبدع الحزب في تواصله مع الإعلام مثلما يبدع في تواصله المؤسساتي، وأعتقد، بل وأفترض أن حزب العدالة والتنمية سيكون خصما قويا في الانتخابات المقبلة، ولكن الشرط الأهم هنا، هو تكرار ما حدث في 2011، لا أتحدث عن ثورة الشارع، وإنما عن ثورة ” الكتلة الناخبة”.

فإذا استطاع الحزب أن يقنع الجماهير بترك العزوف الإنتخايي وليس السياسي سيفوز، وهنا يبرز مؤشر تواصلي مؤسساتي جديد، الحزب بدأ فعلا في محاولة الإقناع من خلال الاعلان عن حملته الوطنية 19 لتشجيع المشاركة السياسية الواقعية بكافة جهات المغرب، في 30 من أبريل 2025، بعد أقل من 5 أيام على نهاية أشغال المؤتمر التاسع للحزب، هذا المؤشر أترك لكم مسألة تحليله.

أما إذا استمر العزوف الانتخابي وليس “السياسي”، فعبد الإله بنكيران لن يفوز، بل ولن يكون حزبه ضمن تشكيلة حكومة المونديال، لأن الكتلة الناخبة المغربية عندما تكون ضعيفة، تضعف معها إمكانيات التنافس ااحزبي الانتخابي المتزن، وندخل في حسابات أخرى، تابعناها في انتخابات سابقة،وتستحق لوحدها تحليلا خاصا وعميقا، لفهم الانتخابات في المغرب وعقلة الكتلة الناخبة بالمغرب،سواء التي تصوت او تبيع صوتها او با تشارك، في هو التقسيم الواضح إنطلاقا مما سبق، وفي مقال قادم سنفضل في الموضوع بشكل أكبر، ولهذا يجب أن تبنى حملة الحزب التواصلية انطلاقا من اليوم، على فكرة أولى، قبل كل الأفكار والبرامج، هذه الفكرة، قد تتبلور داخل استراتيجية تواصلية عامة بخطط تواصلية خاصة ودقيقة، تأتي من الجواب على السؤال التالي:

كيف نقنع المغاربة بالعودة لصناديق الإقتراع والإقتناع؟

هذا السؤال بالضبط، سأحاول الإجابة عنه في مقال مقبل إن كان في العمر بقية.