الصحافة بمهنية ورؤية إبداعية

السينما والصحافة”… تقاطعات فكرية وواقعية في الجلسة العلمية الأولى بمؤتمر جامعة فاس الدولي

فاس|تغطية خاصة| ج1| شهدت كلية الآداب والعلوم الإنسانية سايس بفاس، التابعة لجامعة سيدي محمد بن عبد الله، صباح الخميس 22 ماي 2025، انطلاق الجلسات العلمية للمؤتمر الدولي حول “السينما والصحافة: نظرات متقاطعة على المجتمع”، الذي ينظمه مختبر الدراسات الأدبية واللسانية وعلوم الإعلام والتواصل على مدى يومين، بمشاركة نخبة من الباحثين والمخرجين والنقاد.

الجلسة العلمية الأولى حملت نقاشًا غنيًا حول علاقة السينما بالتلفزيون والصحافة، وفتحت المجال أمام مقاربات متعددة لتمثلات الواقع والخيال، والاشتغال على الذاكرة والتوثيق، سيرها حسن حجيج، الاستاذ بجامعة سيدي محمد بنعبد الله بفاس.

الزاهر: “السينما تصنع الذاكرة، والتلفزيون يصنع النسيان”

في مداخلة بعنوان “المتخيل السردي من السينما إلى التلفزيون: من التخيل إلى التأصيل”، اعتبر الدكتور عبد الرزاق الزاهر، المدير السابق للمعهد العالي لمهن السمعي البصري والسينما بالرباط، أن السينما والتلفزيون لا علاقة لهما بالواقع، بل يحكيان دون أن يُحاكياه، مبرزًا أن السينمائي ليس صحفيًا والعكس صحيح.

واستشهد الزاهر ببيير بورديو وكتابه حول التلفزيون (1996)، الذي جاء، حسب قوله، كرد فعل على إكراهات التفكير السريع المفروضة على الباحث حين يُستدعى للظهور التلفزيوني. وأكد أن “علاقة الفكر والزمن متنافرة”، مضيفًا أن “السينما تصنع الذاكرة، بينما التلفزيون يصنع النسيان”، ناقلاً عن بورديو قوله إن “التلفزيون جهاز للحفاظ على النظام الرمزي لا لفضح الواقع”.

اعوين: “نحتاج للوثائقي كوسيلة لسرد ثقافتنا”

من جهته، أكد الدكتور مصطفى اعوين، أستاذ بجامعة سيدي محمد بن عبد الله، في مداخلة بعنوان “العناصر البنائية في الفيلم الوثائقي”، على أهمية الانتباه للبنية السردية في الوثائقي، معتبرًا أن نقل الواقع يتطلب “ذكاءً إبداعيًا” وصياغة واعية للعناصر المكونة للخطاب السمعي البصري. وأضاف أن “الصحافة والسينما معًا ضروريان لتوثيق ذاكرتنا الثقافية”.

اللويزي: “الصحافة حاضرة في السينما المغربية المهمشة”

بدوره، تناول الدكتور مصطفى اللويزي، في ورقته حول “الذاكرة التاريخية الوطنية من خلال الفيلم الوثائقي”، دور السينما في إبراز المنسي والمهمش، مستعرضًا نماذج من أعمال علي الصافي ومصطفى الدرقاوي، الذي وظف تقنيات الصحافة، كـ”الميكرو تروتوار”، ضمن أفلامه.

وأبرز اللويزي أن “من لا يملك فكرة، لا يستطيع صناعة صورة”، مؤكدا أن السينما مجال ابداع يفتح  المجال أمام صوت المهمشين، كالفنانات الشعبيات( الشيخات)، لحكي روايتهن الخاصة كجزء من التراث الوطني.

السهلي: “التلفزيون ابن مدلل للسينما تحتضنه الدولة”

في مداخلته، ركز الدكتور بلقاسم السهلي على تقاطعات البناء الجمالي بين الوثائقي التلفزيوني والسينمائي، انطلاقًا من تجربته في التلفزيون، خاصة في إنتاج أول دراما تحريك بعنوان “حكوݣا” على القناة الثانية. واعتبر أن “التلفزيون هو الابن المدلل للسينما وقد احتُضن من طرف الدولة”، مضيفًا أن “السينما بقيت أكثر حرية”، مشددًا على أهمية العناصر الصوتية والمرئية في بناء الخطاب الوثائقي المقنع.

المشروح: “الزمن هو قلب التوثيق في السينما والصحافة”

أما المخرج والباحث بوشتى المشروح، فتوقف في مداخلته عند “الذاكرة الوطنية من خلال الأفلام الوثائقية”، مشددًا على أن هاجس التوثيق متجذر في التجربة الإنسانية، منذ النقوش الصخرية إلى السينما.

وقال إن “الزمن هو جوهر الصورة”، معتبراً أن الصورة السينمائية “تحفظ الحاضر”، في حين أن “الصحفي يكتب في تناقض مع الزمن”، مشيرًا إلى أن الكاميرا “منعت التأويل”، حيث إن توثيق الصورة يجعل من الحدث مادة بصرية خالدة، مستدلا بمثال ” فلم محاولات اغتيال بنعرفة” حيث أن حضور الكاميرا منع تعدد التأويلات.

بوخصاص: “بوليوود ترسخ صورًا نمطية مشوهة عن المغرب”

من جهة أخرى، قدم الدكتور محمد كريم بوخصاص، من جامعة مولاي إسماعيل بمكناس، قراءة نقدية في “صورة المغرب في بوليوود”، من خلال تحليل عدد من الأفلام، أبرزها “الحلفاء” (2016).

وأكد أن هذه الإنتاجات السينمائية تكرس متلازمات نمطية تصور المغرب كبلد فولكلوري متخلف، في مقابل الغرب المتحضر، مشيرًا إلى الاستخدام المتعمد للفلاتر البصرية والأصوات لإضفاء طابع الصحراء والضجيج على مدن مثل الدار البيضاء.

وفي ختام الجلسة، أجمع المتدخلون على أن العلاقة بين السينما والصحافة، رغم تباين منطلقاتهما ووظائفهما، تظل علاقة متقاطعة تتقاسم هاجس التوثيق وبناء الذاكرة الجماعية، كلٌّ من موقعه. فالسينما تشتغل على المتخيل، وتعيد إنتاج الواقع من زوايا فنية وجمالية، بينما تظل الصحافة مشدودة إلى الإكراهات الزمنية والمهنية لنقل الحدث. وبين الإثنين، تتولد أسئلة عميقة حول الحقيقة، الصورة، والزمن، وهي أسئلة تُشكل جوهر هذا المؤتمر الدولي الطامح إلى بلورة فهم جديد لدور الوسائط السمعية البصرية في تشكيل وعي الأفراد والمجتمعات.

ضمن ذات التغطية

رئيس جامعة فاس يفتتح المؤتمر الدولي حول السينما والصحافة المنظم من طرف مختبر الدراسات الأدبية واللسانية وعلوم الإعلام والتواصل

https://marpresstv.com/cultures-2/6644.html