تحليل لقاء الملك والرئيس .. أمريكا والأردن في واجهة التفاوض الدولي.
تحليلات| محمد الشنتوف *
بداية، وحسب وجهة نظري المبنية على مرجعية فن التواصل السياسي، ملك الأردن كان موفقا في مهمته اليوم، إستعمل ما يلزم من مراوغة ديبلوماسية في لغة الخطاب السياسي وترك الأمر بيد العرب أولا ثم مصر ولم يعارض أو يوافق على ما يقوله الرئيس ” الغريب عن اعراف الديبلوماسية الحديثة” ترامب الذي يعود بنا الى عصر درسناه في المرحة الاعدادية، ( امريكا..عسكري العالم) … ترامب الذي لا يتكلم لغة السياسة الخارجية المراوغة، وانما يتكلم لغة القوة السياسية، إنما هذه القوة التي يتكلم بها، هي لغة التفاوض الديبلوماسي في إحدى مظاهره الشرسة في الحقيقة،إنها ليست لغة الحرب أو الدعوة لها، حتى لو كان المعنى الذي نفهم في هذا الإطار،فرغم أنه يشهر ورقة التهديد هنا وهناك، إنما يترك المساحة للطرف الٱخر ليقدم ما لديه، وعندما يتنازل عن ما يطلبه،فهو لا يتنازل في الحقيقة، بل ينتصر في جميع الأحوال.
لغة الجسد .. هذا ملك وذاك رئيس
إنما لدي ملاحظة واحدة، تتعلق بلغة الجسد الملكي، لغة جسد الملك الأردني لم تسعفه، وخاصة في الجلوس أثناء الحديث، ترامب كان أكثر قوة وصلابة في لغة جسده،كان منتصرا قبل أن يتحدث، وهذا ما أزعجني،لأني اعتبر ان ملك الأردن مثل ملك المغاربة، ولا فرق بين الملكين، مثلما يهمني أن أرى الملك محمد السادس شامخا في مثل هذه المواقف … كان يهمني أن ارى الملك الاردني في أبهى مشاهد شموخه في هذا الموقف.
التواصل السياسي.. منطق السياق الذي يحكم
لكن، وتحتها ألف خط، تعلمنا في فن التواصل السياسي أن نربط تحليلاتنا وتشخيصنا للأوضاع بالسياق، يجب أن لا نفصل السياق عن الظهور السياسي لأي فاعل كيف ما كان نوعه، وهنا نتحدث عن سياق خاص، وحسابات معقدة، ربما تسببت في إظهار هذا الوجه الشاحب للغة جسد للملك الأردني. لكن ذلك لا يحسب ضده في إطار حديثنا عن السياق، فالملك الأردني هو ملك على شعب، لديه مصالح كذلك، ويحاول أن يحافظ على بلده أولا ثم على مصالح الجيران.
جولات التفاوض السياسي..لغة المراوغة
مراوغة ذكية من الملك الاردني تلك التي ترتبط بتصريح مفاده،سنستقبل 2000 طفل لنعالجهم في الاردن، هي ورقة رابحة في لغة السياسة، وورقة تتفاعل مع مطالب ترامب دون أن توقع الاردن في المحظور عربيا، لا بأس في استقبال الأطفال،هذا لا يدخل في صلب موضوع التهجير، إنما يدخل في صلب فن التفاوض السياسي الدولي، ولغة رمي الأوراق المناسبة في الوقت المناسب، يرتبط هذا كذلك بنقطة أخرى نجح فيها ملك الأردن، وهي المحافظة على العلاقات الودية مع ترامب دون تقديم ضمانات على الموافقة أو الرفض، هذه جولة من جولات التفاوض، وهذه بعض الاوراق فقط، إنما ليست لعبة سهلة، وتتطلب التدقيق في الخطاب والسلوك السياسيين.
الترامبية التفاوضية.. رفع سقف المطالب وتحقيق ما أريد بعيدا عن ما أطلب
في الزاوية الخامسة والأخيرة من معالجتنا التحليلية لهذا اللقاء ترتبط بالرئيس الأمريكي،”الداهية” كذلك، كان واضحا جدا أن ما يقوله بشأن ” العزة” يرتبك فقط بأوراق تفاوضية من طينة أخرى، يرتفع فيها سقف المطالب والتوقعات ليحصل على أشياء أخرى، هي بالضبط ما يريد، مقابل أن يتنازل عن هذه المطالب لاحقا، فيحقق في النهاية ما يريد بدرجات متفاوتة، مع تقديم تنازلات “رجل السلام” في مراحل قادمة، ويتنازل عن ما يعرف أنه لن يتحقق، مسألة التهجير غير ممكنة، وهو يعرف ذلك، لكن هناك ما هو ممكن، وهذا الأمر لا يرتبط هنا بالدول المجاورة وإنما بالدولة الفلسطينية ومكوناتها التي تقاوم، حركة فتح او حركة حماس، السلطة الفلسطينية عليها أن تجد حلا، والحل سيكون أيضا من أهم مواضيع قمة العرب المقبلة، حيث ستقدم الخلاصات للادارة الأمريكية، ولكن اجتماعا يستحضر ما قاله ترامب وما هدد به ليس كإجتماع عادي للحديث عن قضية الأمة او عن الصراع العربي الاسرائيلي،وهنا تكمن معالم دكاء ترامب وعبد الله الثاني، وبعدهما السيسي الذي يلعب دورا مختلفا في الفريق، لعبة السياسة هاته في الشرق الاوسط، جاءت هاته المرة ومن ناحية أخرى، في صالح العرب، وجيران فلسطين، ليرتدو عباءة الأبطال، بعدما الشهور والأعوام القاتمة التي مضت، في النهاية سيخرج الجميع منتصرا، وللحديث بقية لتحديد معالم الانتصار عند العرب وعند امريكا ومنع معها.
*صحفي، باحث ومستشار في الإعلام والتواصل وتدبير الأزمات.