الصحافة بمهنية ورؤية إبداعية

السيادة تعزز من واشنطن..برقية تتجاوز التهاني وترسخ الشرعية التاريخية لمغربية الصحراء

اللافت في الموقف الأمريكي أنه لم يتغير بتغير الإدارات، بل حافظ على جوهره مع بايدن كما بدأ مع ترامب. وهو ما يعكس قناعة مؤسساتية في واشنطن، أن الحل الواقعي الوحيد الذي يمكن أن ينهي النزاع بشكل سلمي وعادل هو تحت السيادة المغربية.

■ ذ. منير الكماني

مهندس مدني، كاتب في

مجلة ناطقة بالألمـانية 

ألمانيا|في خضم التحولات الجيوسياسية التي يعرفها العالم، ووسط دينامية متجددة يعرفها ملف الصحراء المغربية، جاءت برقية التهنئة التي وجهها الرئيس الأميركي دونالد ج. ترامب إلى جلالة الملك محمد السادس بمناسبة الذكرى السادسة والعشرين لعيد العرش، ليست كمجرد تهنئة بروتوكولية، بل كوثيقة سياسية ذات دلالة استراتيجية واضحة.

فالرسالة الملكية من البيت الأبيض تضمنت ما يكفي من المؤشرات على استمرار دعم الولايات المتحدة للموقف المغربي، بل وإعادة تأكيد لقرار سيادي أعلنته إدارة ترامب عام 2020، حين اعترفت واشنطن رسميًا بمغربية الصحراء، في خطوة غير مسبوقة.

إرث ثابت وموقف واضح

في نص البرقية، عبّر ترامب عن موقف واضح لا غبار عليه، وجاء فيها:

“I want to reaffirm that the United States of America recognizes Moroccan sovereignty over Western Sahara, and supports Morocco’s serious, credible and realistic autonomy proposal as the only basis for a just and lasting settlement of this dispute.”

“أرغب في أن أؤكد مجددًا أن الولايات المتحدة الأمريكية تعترف بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية، وتدعم مقترح الحكم الذاتي المغربي، الجاد وذو المصداقية والواقعي، باعتباره الأساس الوحيد لحل عادل ودائم لهذا النزاع.”

هذه العبارة، ذات الصياغة الصريحة والرصينة، لا تقف عند حدود الدعم الدبلوماسي، بل تعكس قناعة استراتيجية تتبناها إحدى أقوى القوى الدولية، مفادها أن الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية هو الحل الوحيد الممكن والعملي لتسوية هذا النزاع الإقليمي المزمن.

أبعاد متعددة لموقف واحد

يمكن تفكيك الموقف الأمريكي الوارد في البرقية إلى خمسة أبعاد استراتيجية متكاملة:

1. بعد تأكيدي: يجدد الاعتراف الرسمي الصادر سنة 2020 بمغربية الصحراء، ويؤكد أن هذا الاعتراف ليس ظرفيًا، بل مستمر ومتجذر.

2. بعد داعم: يعزز من جدية ومصداقية مقترح الحكم الذاتي المغربي، ويجعله مرجعية واقعية لحل النزاع.

3. بعد نافي: يرفض أي حل خارج السيادة المغربية، ويغلق الباب أمام الطروحات الانفصالية أو الاستفتائية.

4. بعد مؤسساتي: يلمّح إلى أن هذا الموقف سينعكس في مداولات مجلس الأمن، خاصة في قرارات أكتوبر المقبلة.

5. بعد تأثيري: يُعدّ تمهيدًا لتحركات دبلوماسية لاحقة، من خلال مستشاري ترامب في شمال إفريقيا، وعلى رأسهم “مسعد بولس” الذي زار الجزائر ويُرتقب أن يزور المغرب ضمن جولة إقليمية تهدف لإعادة ضبط مقاربات التفاوض الإقليمي.

بين منطق الدولة… واستمرارية الالتزام

اللافت في الموقف الأمريكي أنه لم يتغير بتغير الإدارات، بل حافظ على جوهره مع بايدن كما بدأ مع ترامب. وهو ما يعكس قناعة مؤسساتية في واشنطن، أن الحل الواقعي الوحيد الذي يمكن أن ينهي النزاع بشكل سلمي وعادل هو تحت السيادة المغربية.

هذا الاتساق الأمريكي يجعل المغرب اليوم في موقع تفاوضي أقوى، ويمكّنه من بناء تحالفات أوسع، ويحرج خصوم الوحدة الترابية في المحافل الدولية.

دعم يُقرأ في السياسة، لا في البروتوكول

برقية ترامب لم تكن مجرّد رسالة مجاملة، بل كانت بلاغًا دبلوماسيًا عالي النبرة، محمولًا بلغة دقيقة، ورؤية ممتدة، أكدت أن المغرب ليس وحده في معركته من أجل تثبيت سيادته، وأن شرعية قضيته تجد صدى في عواصم القرار الكبرى.

وفي زمن التحولات الكبرى، يصبح السؤال الآن:

كيف سيحوّل المغرب هذا الزخم الدولي إلى واقع إقليمي؟

وهل ستستمر القوى الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة، في ترجمة هذا الدعم إلى مواقف أكثر صلابة داخل مجلس الأمن؟

ذلك ما ستجيب عنه الشهور المقبلة، في محطات تقرير المصير الدبلوماسي… لا الوهم السياسي.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.