سوسيولوجيا إعادة تشكيل العداء والتضامن: تحوّلات التمثل تجاه إيران في ظل صراعها مع الكيان الصهيوني
هشام بوقشوش*| ام تعد المواقف من إيران في السياقات العربية والإسلامية تختزل في الثنائية الطائفية أو في التوترات الجيوسياسية التقليدية التي سادت المنطقة منذ عقود، بل باتت تشهد تحولا نوعيا في التمثلات، تعيد رسم خارطة العداء والتضامن انطلاقا من الصراع المشترك مع الكيان الصهيوني. ففي الوقت الذي كانت فيه إيران تقدم لدى قطاعات واسعة كفاعل مهدد للاستقرار الإقليمي أو كخصم طائفي ضمن ثنائية “سني/شيعي”، بات خطاب التضامن معها يتنامى، خصوصً في ظل تصاعد المواجهات العسكرية والرمزية مع الكيان الصهيوني، وتحوّ=ل طهران إلى ما يشبه “قطبا مقاوما” في المتخيل السياسي الشعبي.
هذا التحول في التمثل الاجتماعي لا يمكن قراءته بمعزل عن السياقات السياسية والإعلامية والرمزية التي أعادت تعريف “العدو” و”الحليف”، إذ لم يعد العداء لإيران مسلما به كما كان في السابق، بل أصبح موضوعا للتفاوض الرمزي، تتدخل فيه محددات متعددة:
من الخطاب الإعلامي، إلى المواقف الشعبية، إلى الحاجة إلى استعادة مركزية القضية الفلسطينية كرافعة أخلاقية وسياسية عابرة للطوائف. ومن هذا المنظور، فإن الصراع مع الكيان الصهيوني يعمل أحيانا كآلية لإعادة بناء التضامن العابر للهويات القطرية والمذهبية، عبر استحضار ثنائية المقاومة/الاستعمار بدل ثنائية الانقسام الطائفي.
في ضوء ذلك، يمكن استحضار تحليل بيير بورديو حول إعادة إنتاج الرمزي بوصفه حقلا للصراع حول المعنى والهيمنة، إذ أن تحويل إيران من عدو إلى حليف في الوعي الجمعي يتم عبر نزع حمولة سلبية قديمة واستبدالها برمزية جديدة مستندة إلى المواجهة المشتركة مع الآخر الاستعماري (إسرائيل). كما يستدعي ذلك أيضا مفهوم العدو الرمزي لدى كارل شميت، الذي يرى أن الجماعة لا تعرف فقط بما تواليه، بل بمن تعاديه، مما يجعل إعادة تشكيل العدو أو الحليف لحظة تأسيسية في إعادة تشكيل الهوية الجمعية ذاتها.
كما أن هذا التحول لا ينفصل عن ديناميات الإعلام الجديد، حيث تسهم المنصات الرقمية في تعميم روايات بديلة، وإعادة إنتاج تمثلات إيران، لا بوصفها الدولة الشيعية، بل باعتبارها المدافع العسكري عن قضايا تعد جزءا من الذاكرة العربية والإسلامية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية. وهكذا، تنتقل إيران – في بعض السرديات – من كونها الآخر القريب المهدد، إلى الحليف الظرفي في مواجهة الآخر البعيد – الكولونيالي، وهو الكيان الصهيوني.
إن هذا التحول في التمثلات يستدعي تحليلا سوسيولوجيا معمقا، يأخذ بعين الاعتبار الطابع التاريخي للعداء، لكنه يركز بالأساس على كيف تعاد هندسة التضامن والعداوة في الوعي الجمعي تبعا لتغير شروط الفعل الرمزي والسياسي. وهو ما يفتح المجال لفهم كيف تصبح العداوة المشتركة أداة لإنتاج تقارب استثنائي، تتجاوز فيه الجماعات الانقسام العقائدي لصالح وحدة رمزية ظرفية، تعاد فيها صياغة الهوية الجماعية من خلال ضد مشترك أكثر من خلال ذات متجانسة.
د. هشام بوقشوش/ باحث في علم الاجتماع