الصحافة بمهنية ورؤية إبداعية

تحرير الدرهم المغربي … من القيمة الإقتصادية المحلية إلى السوق العالمية

تخيل أن لديك طفلا تلعب معه في حديقة صغيرة مسورة، لا يستطيع الخروج منها. هذه الحديقة هي “النطاق الضيق” الذي كان يتحرك فيه سعر الدرهم

ذ. منير الكماني| مهندس مدني، كاتب في مجلة ناطقة بالألمـانية

ألمانيا|قد تسمع في الأخبار كلمة “تحرير الدرهم” وتظن أن الأمر معقد أو أنه يخص البنوك فقط، لكن الحقيقة أن له علاقة مباشرة بحياتنا اليومية، بأسعار الخبز، والملابس، وحتى الهاتف الذي تشتريه.

ما هو الدرهم أصلا؟

الدرهم هو عملتنا الوطنية، مثلما الدولار عملة أمريكا، واليورو عملة أوروبا. قيمته لا تبقى ثابتة من تلقاء نفسها، بل بنك المغرب يحددها ويراقبها حتى لا ترتفع أو تنخفض كثيرا.

كيف كان الوضع قبل؟

تخيل أن لديك طفلا تلعب معه في حديقة صغيرة مسورة، لا يستطيع الخروج منها. هذه الحديقة هي “النطاق الضيق” الذي كان يتحرك فيه سعر الدرهم:

  • قبل 2018: كان الدرهم يتحرك قليلا جدا (0.3% فقط صعودا أو نزولا).
  • 2018: أعطيناه مساحة أكبر ليلعب (2.5% صعودا أو نزولا).
  • 2020: المساحة صارت أوسع (5%).

هذا يعني أن الدرهم أصبح يتحرك بحرية أكبر قليلا، لكن ما زال هناك سور يحيط به، أي أن بنك المغرب يراقب ويتدخل إذا خرج عن الحدود.

وماذا يعني التحرير؟

التحرير هو أن نعطي الدرهم حرية أكبر ليحدد سعره السوق (العرض والطلب)، لكن بالتدريج، وليس فجأة، حتى لا يصاب الاقتصاد بصدمة.

لماذا نحتاج إلى ذلك؟

  • لأن العالم يتغير بسرعة، وسعر العملة يجب أن يكون مرنا ليتكيف مع الأزمات.
  • إذا نزل سعر الدرهم قليلا، تصبح صادراتنا أرخص في الخارج، وهذا يشجع الناس في دول أخرى على شراء منتجاتنا.
  • إذا ارتفع سعر الدرهم، تصبح وارداتنا (الأشياء التي نستوردها) أرخص، وهذا يفيد المستهلك.

أمثلة من حياتنا اليومية:

  1. التفاح المستورد

إذا ارتفع الدولار، فسعر التفاح المستورد من أمريكا سيزيد، لأنك ستحتاج دراهم أكثر لشراء نفس الكمية بالدولار.

في النظام الحالي، الزيادة قد تكون محدودة لأن بنك المغرب يضبط السعر. لكن في التحرير، الزيادة أو النقصان سيكون أكبر حسب السوق.

  1. السيارات المغربية المصدرة للخارج

إذا انخفض سعر الدرهم، فسيارة تصنع في المغرب وتباع في أوروبا ستصبح أرخص بالنسبة للمشتري الأوروبي، وهذا قد يجعل الطلب عليها يزيد، وتكبر مصانعنا.

  1. الهاتف الذي تشتريه

إذا ارتفع اليورو، والهاتف الذي تريده مستورد من أوروبا، فسعره سيرتفع بالدرهم. لكن إذا انخفض اليورو، فقد ينخفض سعره.

لماذا لا نحرره دفعة واحدة؟

لأن الأمر مثل تعليم السباحة: لا ترمي شخصا في البحر فجأة، بل تبدأ به في مكان ضحل، ثم تزيد العمق شيئا فشيئا حتى يتعلم.

اقتصادنا يحتاج أن يتعلم “السباحة” في السوق العالمية قبل أن نترك الدرهم يتحرك بحرية تامة.

تحرير الدرهم ليس لعبة ولا قرارا مفاجئا، بل هو خطة طويلة المدى، خطوة وراء خطوة، حتى نصل لمرحلة يكون فيها اقتصادنا قويا، وشركاتنا وبنوكنا ومواطنونا قادرين على التعامل مع التغيرات في سعر الصرف.

في النهاية، الهدف أن يكون الدرهم مرنا وقادرا على حماية اقتصادنا في الأزمات، وفي نفس الوقت أن نستفيد من الفرص عندما تتحرك الأسعار في صالحنا.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.