سوسيولوجيا إذكاء الوعي بالإعاقة في المجتمع المغربي: سرديات، مقاربات، تحديات واستشرافات
هشام بوقشوش| تعد الإعاقة إحدى الظواهر الاجتماعية المعقدة التي تكشف عن طبيعة العلاقات الاجتماعية والتمثلات الثقافية داخل أي مجتمع. في السياق المغربي، ورغم التحولات التشريعية والمؤسساتية التي شهدتها البلاد منذ توقيعها على الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة سنة 2007، لا يزال الوعي المجتمعي بالإعاقة حبيس تمثلات تقليدية تتأرجح بين الشفقة، القدرية، والوصمة.
فمن الناحية الثقافية، تؤطر الإعاقة في الوعي الجماعي المغربي باعتبارها علامة على “اللعنة الإلهية” أو “العار الأسري”، مما يفرز سلوكات اجتماعية تميل إلى الإقصاء أو الإخفاء بدل الإدماج والدعم. وفي هذا السياق، تشكل السرديات الأسرية، خاصة في الفضاءات القروية والهامشية، مرآة لهذه التمثلات، حيث تميل الأسر إما إلى الانسحاب من الفضاء العام أو إلى اعتماد استراتيجيات دفاعية تكرس نظرة دونية للذات وللطفل في وضعية إعاقة، وهو ما يتقاطع مع ما أشار إليه إرفينغ غوفمان في تحليله لمفهوم الوصمة الاجتماعية، التي تعيد تشكيل الهوية الاجتماعية للفرد وفق تصنيفات قائمة على النقص.
تساهم كذلك المدرسة والإعلام والمؤسسات الصحية في إعادة إنتاج هذه التمثلات، إذ ما تزال المدرسة المغربية في أغلبها غير مهيأة بنيويا وتربويا لاستيعاب التعددية الجسدية والذهنية، بينما يركز الإعلام في كثير من الحالات على تقديم صورة نمطية إما تضخم المعاق كبطل خارق يتحدى المستحيل، أو تختزله في صورة ضحية تنتظر الشفقة. أما المؤسسات الصحية، فغالبا ما تشتغل بمنطق النموذج الطبي التقليدي الذي ينظر للإعاقة كعجز فردي يجب علاجه، متناسية المقاربة الاجتماعية التي ترى أن الإعاقة تنبع من العوائق المجتمعية والثقافية، وليس من العيب الجسدي أو الذهني نفسه.
إن إذكاء الوعي بالإعاقة لا يعني فقط التحسيس بأهمية التعايش أو القبول الرمزي، بل يستوجب تفكيك البنى الرمزية التي تعيد إنتاج الإقصاء والتمييز. ويقتضي ذلك تبني مقاربة حقوقية شاملة، تنطلق من مبدأ المواطنة الكاملة والعدالة الاجتماعية، مع ضرورة إشراك الأشخاص ذوي الإعاقة أنفسهم في صناعة القرار وصياغة السياسات العمومية، بعيدا عن منطق النيابة والوصاية.
وتبرز هنا أهمية السوسيولوجيا في تحليل الإعاقة ليس فقط كظاهرة فردية أو صحية، بل كبنية دلالية تعكس طبيعة النظام الرمزي للمجتمع المغربي، وعلاقته بالاختلاف، والجسد، والنظام القيمي. فالمجتمع الذي يخشى الإعاقة أو يخجل منها، هو مجتمع لم يتصالح بعد مع ذاته، ولا يزال يفرز مفاهيم معيارية للجسد الطبيعي والسلوك المقبول.
إن التحديات المطروحة أمام إذكاء الوعي بالإعاقة كثيرة: من ضعف التكوين، إلى غياب الدعم الأسري، وتشتت السياسات العمومية، مرورا بالهشاشة الاقتصادية والثقافية. لكن الأفق يظل مفتوحا، خاصة في ظل الحركية التي تشهدها بعض الجمعيات المدنية، والمبادرات الأكاديمية التي تسعى إلى إنتاج معرفة نقدية حول الإعاقة من منظور اجتماعي وثقافي.
وفي هذا السياق، لا بد من الدفع نحو إدماج موضوع الإعاقة في المناهج التعليمية، وتكوين الأساتذة والإعلاميين، وتشجيع البحث العلمي في سوسيولوجيا الإعاقة، بما يراعي الخصوصيات المحلية ويفتح أفق مساءلة البنى المجتمعية نفسها، بدل اختزال المشكلة في الفرد المعاق.
إن الرهان الحقيقي في المغرب ليس فقط على سن القوانين، بل على إحداث تحول في الوعي الجماعي، يفضي إلى إعادة الاعتبار للإعاقة كمكون من مكونات التنوع البشري، وكفرصة لإعادة التفكير في منظوماتنا الثقافية والتربوية والإعلامية من زاوية الإنصاف والعدالة والحق في الاختلاف.
د. هشام بوقشوش/ باحث في علم الاجتماع