إركرات تحتفي بالإفطار المشترك: حين يتحول رمضان إلى رسالة للعيش المشترك والتعارف
في لحظة رمضانية عابقة بالروحانية والإنسانية، شهدت مدينة إركرات مبادرة فريدة من نوعها تمثلت في تنظيم أول إفطار رمضاني مشترك بمقر جمعية SKFM، (وهي مؤسسة اجتماعية ذات النفعية العامة تابعة للكنيسة الكاثوليكية)، وذلك بحضور شخصيات مجتمعية، دينية وتربويّة وسياسية، وعلى رأسها السيد عمدة المدينة كريستوف شولتس.
هذه الفعالية جاءت لتعكس وجه المدينة المتعدد، المنفتح، الذي يرى في التنوع مصدر قوة لا انقسام، كما قال بذلك الاستاذ عسيلة من منظمي هذه التظاهرة- وفرصة لبناء مستقبل قوامه التفاهم والاحترام المتبادل.
لقد شكل هذا الإفطار أكثر من مجرد تقاسم لوجبة، بل كان فضاءً للتعارف، للحوار، ولتجديد التزامنا جميعًا بقيم العيش المشترك.
كلمات الترحيب والمداخلات التي قُدمت عبّرت بصدق عن هذا الروح. فقد تحدث السيد ساشا إسكندري، ابن لأسرة تنتمي إلى خلفيتين دينيتين، عن أهمية كسر الحواجز النفسية والاجتماعية، مؤكدًا أن التلاقي لا يكون إلا حين نتحرر من الصور النمطية ونفتح قلوبنا لبعضنا البعض.
أما الأستاذ محمد عسيلة، فقد قدّم مداخلة حملت أبعادًا روحية وفكرية عميقة، حيث ذكّر بأن الصيام في الإسلام ليس مجرد امتناع عن الطعام، بل هو محطة للتأمل الذاتي، وللسؤال عن دورنا في هذا العالم، وعن مسؤوليتنا تجاه الآخر. وأضاف: *”نحن كمسلمين لا نعيش على هامش هذا الوطن، بل نحن جزء من نسيجه، نحمل قيم ديننا بكل مسؤولية، ونعطيها مكانًا في هذا الفضاء الوطني المشترك.”*
وأكد عسيلة أن من واجب المسلمين في ألمانيا، وفي أوروبا عمومًا، أن يكونوا سفراء حقيقيين لقيم دينهم، من خلال الانفتاح، والمشاركة الفاعلة، والحرص على تقديم الإسلام بصورته الأصيلة: دين الرحمة، التضامن، والكرامة الإنسانية. كما ثمّن حضور المسؤولين المحليين ومشاركتهم الفعلية، وخص بالشكر العمدة شولتس، وساشا إسكندري ودومينيك أدولفي، الذين شاركوا في الصيام تضامنًا.
اللقاء لم يخلُ من بعد معرفي وتربوي، إذ قدّم السيد ميخائيل إيندن عرضًا شيقًا عن تطور الصيام في الديانة المسيحية، مما أتاح للضيوف فرصة فهم أوجه التشابه والاختلاف بين التجربتين الدينية، وعزز روح الاحترام المتبادل. كما شمل البرنامج فقرة تفاعلية ممتعة تمثلت في مسابقة رقمية حول معلومات عن الصيام في الديانتين، شارك فيها الحضور بحماس وابتسامة.
أما لحظة الإفطار، فكانت معبّرة في بساطتها وعمقها، حيث كُسر الصيام بتمرة وماء أو حليب بعد سماع الأذان الذي قدمه الاستاذ محمد عسيلة ، قبل أن ينتقل الجميع لتقاسم وجبة إفطار متنوعة رمضانية أعدّتها نساء من الجمعية المحلية والمجموعة النسائية الدولية، في مشهد يجسّد التعاون المجتمعي في أبهى صوره.
لقد حمل هذا اللقاء رسالة واضحة: أن *التديّن لا يتناقض مع الانفتاح، وأن الإسلام يمكن أن يجد موطنًا آمنًا ومشرقًا حين يُفهم في سياقه الصحيح ويُمارس بروح إيجابية ومسؤولة* وأننا، كمسلمين، مدعوون اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى المساهمة في تشكيل واقع مجتمعي عادل ومتسامح من داخل مساجدنا في دعوة للآخر المختلف والذي نعتبر أنفسنا جزء منه وأنه جزء منا ، نشارك فيه بقيمنا وهويتنا، ونبني فيه جسور الاحترام مع الجميع.
الإفطار المشترك في إركرات كان لحظة وعي جماعي بأن *العيش المشترك ممكن، بل وضروري، إذا كانت النية صادقة والرغبة في التواصل قائمة*. وهي خطوة أولى نحو مزيد من اللقاءات التي تكرّس التفاهم، وتنشر قيم السلام، وتجعل من التعدد قوة توحّد ولا تفرّق.