العقل المغربي بين التصهين والتطبيع .. تحليل عنوان حلقة الرمضاني مع المرجاني نموذجا!
محمد الشنتوف*
قبل مشاهدة هذه الحلقة بالضبط لعدة أسباب، ومن بينها تحليل “العقل المغربي المتصهين” وليس ” المطبع” في الفرضية الرئيسية لهذا المقال التحليلي، هناك فرق بين ” التصهين والتطبيع” وخيط رفيع بينهما، والمرور من مرحلة التطبيع المرفوضة قوميا عبر التاريخ، ( والتي تناقش سياسيا) إلى مرحلة التصهين، لديه مؤشرات واضحة في الخطاب والسلوك، مثلما أن هناك فرق بين “اليهودية المعتدلة” وبين ” السامية الإثنية الإسرائيلية المتصهينة”، التي تنظر للعالم بأسره وليس فقط لفلسطين، بنظارة عرقية تحلم بمسح كل الأعراق وكل الأديان وبناء “إسرائيل العظمى” المسيطرة على العالم، وقد اعتاد الفكر السياسي العالمي ربط هذا المؤشر ” بمفهوم الماسونية”، هنا سنحاول (والله أعلم) تفكيك شفرات هذا العنوان من أجل مزيد من الفهم لهذا العقل بقبعة تحليلية أكاديمية، وأقصد هنا الوقوف على عنوان الحلقة “المكتوب على منياتور يوتوب”، وسنطرح بعض الأسئلة المهمة جدا بقبعة صحفية مهنية؟! .
موضوع الإمتحان: قضية فيصل مرجاني…حلل وناقش!
كتب الصحفي رضوان الرمضاني على حسابه الفايسبوكي، “, إمتحان جديد في ساحة النقاش العمومي” وقد قبلت المشاركة في اجتباز هذا الإمتحان لعلني أنجح في إيصال بعض الرسائل، يقول فيصل مرجاني“قضيتي هي الصحراء ماشي فلسـ-طين”، هذه الجملة بالضبط لديها أبعاد خطيرة، معادية للفكر الديبلوماسي المغربي بجميع أركانه وهو ما سنطرح سؤالنا المهم حوله في الختام، وشرح الجملة المعلومة يوصلنا لخلاصة واضحة، سنحاول التطرق لها هنا في هذا المقال التحليلي ” لعنوان حلقة” الصحفي رضوان الرمضاني، مع فيصل مرجاني، على إذاعة ميد راديو، فيصل هو رئيس أحد الجمعيات المتعايشة فقط مع إسرـائيل،(افتراضا كذلك) والداعية للحب والسلام بين الناس، ( افتراضا كذلك) على مقاس ” العقلية المتصهينة الإسرائيلية” (…كذلك) هذه العقلية تختلف تماما عن عقلية المطبع مع اسرائيل، فالتطبيع مفهوم سياسي جديد محدث، ولد مع حكم الإسرائليين السيطرة على بلد في الشرق الأوسط إسمه فلسطين، ثم الدخول بالقوة في دوالب التدبير في دول أخرى مجاورة، وبدعم دولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية في الأمم المتحدة لكسب الشرعية، أما التصهين فهو مفهوم عرقي ولد مع ولادة الحلم الاسرائيلي اليهوي السامي الذي ولد قبل ولادة إسرائيل (الدولة)، وليس اليهودي المعتدل، المطبع ينظر للعلاقات مع إسرائيل من منظور “البرغماتية السياسية” أي المصلحة التي لا تعترف في السياسة لا بالأصدقاء ولا بالأعداء، هناك دائما مصالح متبادلة، أما المتصهين فينظر للعلاقات مع إسرائيل بمنظور ٱخر، وهو تحقيق مزيد من السيطرة الفكرية على العقول، والسيطرة الواقعية على الأراضي، بما مفاده حق اسرائيل المسكينة في الدفاع على نفسها أمام “الإرهابيين” الفلسطينين مثلا، ما حدث ويحدث في غزة ولبنان بصفة خاصة مثلا هو توصيف فعلي واضح لعقلية التصهين، فهناك يرمون القنابل لتدمير العباد والبلاد وسحقهم، بعيدا عن قواعد الحرب وأخلاقها، فالعقل المتصهين يشبه عقلية الماغول التي كانت لا تترك حجرا ولا أثرا إبان الغزو الماغولي، وعبر العالم ترمي العقلية المتصهينة قنابل الأفكار لعلها تصيب من تصيب، في إنتظار إحكام القبضة الكبرى على العالم وحكمه بالقوة، وسحق من يختلف مع هذا الفكر بالقوة.
في ساحة النقاش العمومي العالمي: السامية وعداء الأعراق!
الآن لا زال هناك مجال للنقاش في دوائر معينة للنقاش العمومي الوطني والعالمي، مع الإنتباه إلى أن هذه العقلية المتصهينة التي تدعو للتعايش،لا تقبله في الحقيقة، وتكن أشد أنواع العداء الإنساني لمن يختلف معها، هذا النوع من هذا العداء يسمى “عداء الأعراق”، عبر التاريخ تسبب هذا النوع من العداء في حروب طاحنة، لأن عداء العرق يوجه صاحبه للعنف مباشرة والتفكير في التخلص من الطرف الٱخر، أما فكرة التعايش فهي مجرد غطاء فكري يتم استعماله ليس لتحقيق التعايش، وإنما لتحقيق السيطرة بمختلف أشكالها، وهذا ما يدل عليه عنوان حلقة الرمضاني مع المرجاني، الهدف هنا هو تحقيق سيطرة معينة لفكر “التصهين في المغرب” وليس “التطبيع في المغرب”، وهنا جاز لنا طرح السؤال على فيصل: ألا يمكن أن تكون مع التطبيع وضد التصهين؟ ألا يمكن أن تكون مع قضية الوطن وقضية الإنسانية ( ولا أقول الأمة هنا عمدا لأنني لا أعرف توجه فيصل الديني) ولكن مهما كان دينه وتدينه، كيف لا تكون فلسطين قضيتك كإنسان؟ ومؤخرا كما تعلم ربما، هناك كاتب إسرائيلي كبير تخلى عن جنسيته نظير ما يفعله الاحتلال بالأبرياء، وقبل ذلك أنت أدرى بأن هناك تيارا محافظا يهوديا داخل اسرائيل يرفض ما تفعله الٱلة الإجرامية الاسرائية، هل أنت إسرائيلي مثلا أكثر من هؤلاء؟ وتفهم في لغة القضايا والتعايش أكثر منهم؟
القضية الأولى وطنيا : قضية الصحراء المغربية
قضية الصحراء المغربية لا نقاش فيها، ولا إختلاف فيها بين أحرار وأشرار الوطن، أما العالم ومن بينهم الأشقاء “الأشقياء” في الجزائر، فتلك رواية أخرى، لا اختلاف في قضية المغاربة بين الرجال والأنذال، مما يعني أنها أسطوانة يتم تشغيلها كلما دعت المصلحة أحيانا وليس الوطنية دائما، هناك كما تعلمون أيها السادة والسيدات تجار أزمات. تجار قضايا، وتجار مواقف، وتجار سياسة،وتجار دين، قضية الصحراء المغربية للأسف استفاد منها من استفاد في باب التجارة لا في باب الوطنية، وهنا لا نتكلم عن فيصل مرجاني، فنحن لا نعرف نواياه ولا قدرة لنا على مهاجمته دون موجب حق، إنما في باب التحليل للعنوان فقط ” قبل مشاهدة الحلقة”… (وسيتم مشاهدتها لغايات مهنية) يمكن أن نعيد طرح السؤال بصيغة أخرى: ألا يمكن ان تكون مع الصحراء وطنيا ومع فلسطين إنسانيا ومع التطبيع بين اسرائيل والمغرب سياسيا؟” ربما أن الجواب على السؤال التالي يوجد في حلقتك مع الرمضاني: هل لإسرائيل الحق في قتل الٱلاف من الأطفال، واجتياح لبنان وقتل المدنين هناك وقصف سوريا في لحظة ضعف إبان رحيل أو هروب بشار الأسد؟، هل يحق لإسرائيل فعل كل هذا فقط من باب الحق في الدفاع عن نفسها ؟ أم هناك نوايا إجرامية وإرهابية وتطهيرية عرقية لإسرائيل نفسها؟ فالقضية أكبر من مجرد تهجير الفلسطينين وطردهم من أرضهم، بل بالرغبة في التخلص من أي عرق ؟ هل تتفق مع هذا التوجه الإسرائيلي الواضح أ السي المرجاني؟، تحليل عنوان الحلقة، ولا شك أنه مقتبس من أحد تصريحاتك فيها، يدل على أنك تقول لنا أنك مع إسرائيل جملة وتفصيلا، وليس فقط مع إسرائيل في علاقاتها مع المغرب،(وهنا قد نتفهمك) إذا نظرنا إليك بعقل سياسي برغماتي، أما اذا نظرنا أليك بعقل الأمة، وبعقل مغربي إسلامي، فلن نقبل منك لا التطبيع ولا التصهين… هل طُرحت هذه الأسئلة عليك من طرف الصحفي رضوان الرمضاني ؟، وإذا لم تطرح، هل يمكن أن تجيب عنها بوضوح يوما ما؟، أما بخصوص الزميل رضوان الرمضاني فمن حقه كصحفي أن يستضيف أي شخص كيف ما كان، الصحفي حر في اختياراته، مثلما أن المؤسسات الإعلامية حرة في خطها التحريري، علينا تجاوز هذا النقاش لما هو أهم، ومناقشة الأفكار لا مناقشة المؤسسات واختيارات الصحفيين، وكذلك الأشخاص والفاعلين، فنحن هنا نعترف بحق فيصل في التصهين أو التطبيع ونناقش الفكرة لا الشخص، كما أن الرأي العام المغربي عليه أن يفرق بين عمل الصحفي ومواقفه، فقد يقوم الصحفي بعمل صحفي يخالف توجهاته وقناعاته، لأن مؤسسة فرضت عليه ذلك، وهنا لا أتكلم عن الرمضاني بصفة خاصة، بل هذه قاعدة عامة.
أسئلة عاجلة وخلاصات متعددة
كاتب هذا المقال التحليلي، بقبعتيه “التحليلية الأكاديمية التي حللت والصحفية التي طرحت الأسئلة” يؤمن بالاختلاف في أبعاده الكبرى، لا مشكلة لديه في مناقشة الشيطان إذا استدعى الأمر ذلك، لفهمه بشكل أكبر، الله سبحانه وتعالى في تعبير ضمني على فكرة إحترام الاختلاف، ترك الفرصة للشيطان ليعيش بيننا ويوسوس لنا ويبني علاقته مع البشر، ( هذا مجاز في الفهم والتفسير فقط) هذا في الفكر الديني الإسلامي المبني في الإسلام على قاعدة” وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفو، إن أكرمكم عند الله أتقاكم” ، الفقيه أو عالم الدين مثلا أكثر من يفهم عقلية الشيطان، أليس كذلك أيها الفقهاء ؟لأنه يقبل اختلافه معه، ويجالسه بطرق مختلفة ليفهمه ويوجه الأمة بناء على فهمه للكتاب والسنة وما جاء فيهما عن الشيطان وقدراته الخارقة في اللعب مع البشر( هذا مجاز في الفهم والتفسير) ويحذر منه ومن أهدافه، في كل الديانات والمعتقدات والأفلام والمسلسلات، هناك صراع بين الخير والشر، “برينكي وبرين يريدون السيطرة على العالم مثلا” ” وباتمان يدافع عن الخير ضد الشر مثلا”, يمكن أن يكون الشر بمفهوم المرجاني خيرا بمفهوم المهداوي ويمكن أن يكون الشر بمفهوم الشرع خيرا بمفهوم الشرعي،يمكن أن يكون الشر بمفهوم بوعشرين خيرا بمفهوم حسن طارق، ويمكن أن يكون الشر بمفهوم بنكيران خيرا بمفهوم أخنوش، والقائمة تطول، لعل الفكرة تصل، أما رضوان الرمضاني ومحمد الشنتوف مثلا، فهما مختلفان في بعض الأمور ومتفقان في أمور أخرى،يتواصلان مع بعضهما باحترام رغم هذا الإختلاف ويحترمان بالأساس روابط الزمالة المهنية التي تجمعهما، ولا أعتقد أنهما ولو اجتمعا في مناظرة حول أكثر القضايا التي يختلفان فيها، لا أعتقد أن طرفا سيسب الآخر، ويسعى كل طرف منهما لبناء رؤية مختلفة لموضوع الاختلاف، نناقش الأفكار ونحترم الحريات، ولا يهدد أي منهما سلامة الآخر الجسدية وحقه في الحياة بصفة خاصة ، مثلا أنا أختلف مع الرمضاني كزميل صحفي: هل أسبه وأشتمه وأرفع السلاح في وجهه؟ طبعا لا؟ يستحيل أن يحدث هذا من طرفي وأعتقد أن الرمضاني يشاطرني الرأي، أليس كذلك “أ السي الرمضاني؟ “إذا لماذا يقتل المتصهين المختلف معه بمختلف الطرق؟ بالسلاح إذا استطاع ولن يتردد، وبالفكر إذا كان لا زال في المرحلة التي يتودد؟، وفكرة التودد هي أولى مراحل “دخول عقلية التصهين” لمجتع ما، هو ما فعلوه في فلسطين بالضبط، دخلو متوددين، اشترو بعض الأراضي حسب بعض الروايات والقصص، سيطرو بالقوة على أخرى حسب الواقع الموثق تاريخيا، أخرجو الناس من ديارهم، ثم بدأت القصة التي تعرفونها، وصولا إلى السابع من أكتوبر، الذي هو محطة في مسار إجرام إسرائيل وليس بداية كما تحاول إسرائيل أن تقول مبررة ما فعلته من إجرام لم يشهد له التاريخ مثيلا !!! أخاف يا فيصل أن تكون مرحلة التودد الصهيونية هذه في المغرب مقدمة لنوايا اسرائيلية أكبر في منطقة المغرب الكبير برمتها، مثلما حدث في الشرق الأوسط، أما التطبيع بين إسرائيل والمغرب “سياسيا” وما يترتب عنه في مجالات أخرى، فهو يخضع للغة أخرى ومنطق ٱخر حسب فهمي البسيط (والله أعلم)، قد نتفهمه، من باب الوقوف مع اختيارات الوطن، دون انغماس حتى العمق مع فكرة التصهين، بل والتصهين أكثر من المتصهيننين، على وزن ” كلنا اسرائيليون ” لأحمد الشرعي، وهو حر للإشارة، لكننا كذلك أحرار في عدم تحدثه باسمنا كمغاربة، فالتعميم يأتي من منطق التكميم والتعتيم، وهو مرفوض حتى في علم الإجتماع، فلدراسة مجتمع، نتكلم عن عينة، وعن أسئلة وعن فرضيات، هل قام الشرعي مالك مؤسسة ميد راديو بدراسة علمية أو باستطلاع للرأي ليصل إلى خلاصة مفادها أن المغاربة إسرائليون؟ وعدم الانغماس في التصهين، هو ما فعله الملك محمد السادس نصره الله وما يفعله بعض رجال الوطن العقلاء، اللذين يلعبون بخيوط فن التواصل السياسي الديبلوماسي الدولي بطرق ذكية وتتطلب مسألة فهمها النظر إليها بشكل مقسم ومفصل وليس كلي، النظرة للموضوع بشكل متزن ودقيق يبني توجها ثالثا، هو بالضبط موقف المغرب كدولة مع فلسطين وإسرائيل، (والله أعلم) البعض يختصرها أو يربطها بفكرة تخلي المغرب عن فلسطين، وهذا غير صحيح،الملك مثلا رئيس لجنة القدس، وعبر عن مواقف واضحة تجاه العدوان الأخير على الأبرياء في فلسطين ولبنان، والبعض يربطها بفكرة التصهين التام للمغرب مع إسرائيل، وهذا غير صحيح، لأن المغرب دولة ذات سيادة، والتطبيع مع إسرائيل هو “مصلحجي” وفقط، إسرائيل أيضا تعرف ذلك، لكنها تحاول إظهار وجه ٱخر للتطبيع المغربي الإسرائيلي، وربما جاز لنا الافتراض أن مثل هذه الخرجات الإعلامية تأتي وفقا لهذا التوجه، (والله أعلم)، المغرب يربط علاقته بالاحتلال الاسرائيلي ( كدولة)، حسب ما تنص عليه قواعد اللعب مع الكبار في العلاقات الدولية، ولا بد من اللعب معهم لأنهم أطراف موجودة في اللعبة ولا يمكن نفيها، لا يمكن نفي أو تجاهل أن إسرائيل قوة في المنطقة والعالم، ويمكن التفاوض دبلوماسيا معها لإيجاد حل، إنما، هل إسرائيل نفسها تسعى للتفاوض الديبلوماسي فعلا أم أنها تميل للغة القوة والسيطرة وتحقيق أهدافها مهما كان الثمن؟ فإذا كانت قضيتك هي الصحراء وليست فلسطين، فهل يعني هذا أنك لست مع الاختيارات الكبرى للمؤسسة الملكية أولا ثم الديبلوماسية المغربية في علاقاتها الخارجية ثانيا ؟
وللحديث بقية…إلى اللقاء.
* صحافي، باحث ومستشار في الإعلام والتواصل وتدبير الأزمات.