طقوس عاشوراء بين الدين والسحر: العلاقات العاطفية والجنسانية بالمجتمع المغربي
هشام بوقشوش*| يحتل طقس عاشوراء مكانة خاصة في الموروث الثقافي المغربي، حيث تتداخل فيه عناصر من الدين الشعبي، والتقاليد الاجتماعية، والممارسات الرمزية، لتكون مشهدا غنيا ومعقدا يعكس البنية السوسيو-ثقافية للمجتمع. من أبرز ما يميز عاشوراء في السياق المغربي هو اقترانها بممارسات السحر والشعوذة، خاصة تلك التي تستهدف العلاقات بين الأزواج والعشاق. تثير هذه الظاهرة تساؤلات حول دور الطقس في إعادة إنتاج السلطة، والهويات، والتوازنات الاجتماعية، لا سيما من منظور النوع الاجتماعي والعلاقات العاطفية.
رغم انتماء عاشوراء للأعياد الإسلامية، فإنها في المغرب تمارس ضمن أفق مغاير، حيث يطغى الجانب الطقوسي الشعبي على الديني. تتحول المناسبة إلى نوع من الاحتفال الجماعي العابر للمقدس والمدنس، يحتضن طقوس الماء (بابا عيشور)، النار، التبخير، توزيع الهدايا، وشراء الألعاب. يتم اعتماد الماء كرمز للتطهير والتجدد، والنار كأداة لحرق النحس و”فتح الطالع”. كما يعتقد أن هذه الطقوس تُقرّب الإنسان من “العالم الخفي”، حيث تتداخل مفاهيم البركة والنحس، السحر والقدر.
في المخيال الجمعي المغربي، تعتبر عاشوراء لحظة زمنية ذات قوة رمزية، تستغل فيها “فتوحات السماء” أو “رقة الحجاب بين العوالم” للقيام بأعمال سحرية وشعوذات. هذه الممارسات تتوزع بين جلب الحبيب أو الزوج، أو ربط الرجل جنسيا حتى لا يخون أو يبتعد، أو تفريق العشاق أو تعطيل الزواج لأسباب تنافسية أو انتقامية، أو تحقيق رغبات إنجابية أو مالية.وتستخدم في هذه الطقوس مواد مثل الشعر، الملابس الداخلية، البخور، والتعاويذ، في تكرار لطقوس جسدانية رمزية، توظف الجسد باعتباره نقطة تقاطع الرغبة والسيطرة.
من منظور بورديو، تُوظف المرأة السحر كـرأسمال رمزي بديل لمواجهة الهيمنة الذكورية، خصوصا في غياب وسائل قانونية أو اقتصادية تمنحها القوة. فالمرأة التي لا تستطيع فرض شروطها ضمن القنوات الرسمية، تلجأ إلى الشعوذة كـحقل مقاومة غير معلن.الرجل غالبًا ما يتموضع كمفعول به في الطقوس السحرية، سواء في علاقات الزواج أو الحب، ما يعكس بنية اجتماعية تعتبر الجسد الذكوري مركزا للصراع الرمزي حول الولاء والطاعة والسيطرة.
الطقوس في عاشوراء تمثل محاولة لـترويض الرغبة وتحويل مسارها ضمن منظومة اجتماعية تحدد من يحب ومن يتزوج ومن ينفصل.الممارسات الطقوسية لعاشوراء تنتمي إلى الهابيتوس، أي مجموع الاستعدادات اللاواعية التي تملي السلوك. ما يجعل هذه الطقوس تتكرر وتعاد تلقائيا جيلا بعد جيل، رغم تحولات المجتمع.
من منظور إرفينغ غوفمان يمكن قراءة هذه الطقوس كنوع من إدارة الانطباع الاجتماعي، خاصة عندما تلجأ إليها النساء لإعادة تشكيل صورتهن كـ”محبوبات”، “مرغوبات”، أو “زوجات مخلصات” في مواجهة خيانة أو برود عاطفي.
عاشوراء في المغرب تقف على الحدود السائلة بين الدين والسحر، بين الطقس والهوى. فهي من جهة مناسبة دينية، ومن جهة أخرى تتحول إلى لحظة انفلات اجتماعي، حيث تتجلى مكبوتات المجتمع المغربي تجاه الحب، الجنس، الجسد، والقدر.هذه الطقوس لا تعكس فقط الإيمان بالسحر، بل تفضح هشاشة القنوات الرسمية للعاطفة والجنس والزواج، ما يفتح المجال أمام أدوات موازية لتنظيم الحياة العاطفية والاجتماعية.
إن طقس عاشوراء في المجتمع المغربي لا يمكن اختزاله في كونه احتفالا دينيا، بل يجب مقاربته كساحة صراعية تدار فيها التوازنات العاطفية والاجتماعية والجنسانية بوسائل رمزية وسحرية. الشعوذة هنا ليست فقط ممارسة هامشية أو انحرافا، بل تعبير عن حقل سوسيو-ثقافي مواز يعكس تداخل الدين، السلطة، الرغبة، والهويات في مجتمع يعيش مفارقات الحداثة والتقليد.
د. هشام بوقشوش/ باحث في علم الاجتماع