الصحافة بمهنية ورؤية إبداعية

من قلب جرادة.. ليلى بنعلي تطلق ورشا تنمويا جديدا لإصلاح القطاع المنجمي وتوسيع الانتقال الطاقي

جرادة |في زيارة ميدانية لافتة حملت أكثر من دلالة سياسية وتنموية، أعلنت وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، ليلى بنعلي، من إقليم جرادة، عن إطلاق حزمة من التدابير النوعية لإعادة هيكلة النشاط المنجمي، وإعطاء دفعة جديدة لعجلة التنمية بالإقليم الذي ظل لعقود في قلب النقاش العمومي المرتبط بالعدالة المجالية والطاقة والبيئة.

وجاءت هذه الخطوة في لقاء موسع جمع الوزيرة بمسؤولي الإقليم وممثلي الهيئات الترابية والمؤسسات الشريكة، في سياق مقاربة جديدة وصفتها بنعلي بـ”البراغماتية والشاملة”، تستهدف الخروج من النمط التقليدي لتدبير الأزمات، وتقوم على حلول فعالة ومستدامة.

هيكلة جديدة للقطاع المنجمي: الرقمنة في قلب التحول

في كلمتها أكدت بنعلي أن الوزارة تعكف على إعداد منصة رقمية مخصصة لتسويق الفحم المستخرج من جرادة، باعتبارها رافعة مركزية لضبط مسار الإنتاج وتكريس الشفافية، مشيرة إلى أن هذه الخطوة ستُمكن من تتبع سلسلة القيمة وتعزيز موقع الفاعلين المحليين في السوق الوطنية.

الوزيرة كشفت أيضا عن قرب إطلاق مشروع قانون جديد لتعديل القانون 33.13 المنظم للمناجم، يُراعي الخصوصيات المحلية لجرادة، ويقترح منظومة من الإجراءات المبتكرة، منها: تبسيط ورقمنة المساطر، إنشاء سجل منجمي إلكتروني، إحداث بطاقة مهنية للمنجّمين، تخصيص التشغيل لأبناء الإقليم، وفرض مخططات إلزامية لإغلاق وإعادة تأهيل المناجم حفاظاً على الاستدامة البيئية والاجتماعية.

وفي ما يشبه إعلان قطيعة مع نموذج “الاستغلال العشوائي”، أكدت بنعلي أن “الحق في بيئة سليمة وصحة مهنية لائقة هو جزء لا يتجزأ من تصورنا للإصلاح”، مشيرة إلى أن الوزارة ستعمل على تأطير استغلال الفحم ضمن رؤية إصلاحية متكاملة تُدمج الإكراهات الصحية والبيئية في صلب عملية الإنتاج.

الطاقة المتجددة.. رافعة جديدة لعدالة مجالية طال انتظارها

و أعلنت الوزيرة عن توقيع اتفاقية إطار لإنجاز محطة شمسية بقدرة أولية تصل إلى 3 ميغاواط، قابلة للتوسيع إلى 10 ميغاواط، موجهة خصيصاً للفئات المتضررة من داء السيليكوز الناتج عن سنوات العمل في المناجم التقليدية.

وتضم الاتفاقية شركاء حكوميين وترابيين، في مقدمتهم وزارة الداخلية ووكالة “مازن” والشركة الجهوية متعددة الخدمات “الشرق”، إلى جانب السلطات المحلية والمجالس المنتخبة، في خطوة توحي بوجود إرادة جماعية حقيقية لتغيير واقع الإقليم.

“نور أطلس”.. الطاقة النظيفة في خدمة الإنسان والمجال**

وخلال اللقاء، كشف ممثل الوكالة المغربية للطاقة المستدامة “مازن” عن تفاصيل مشروع “نور أطلس”، الذي يضم مجموعة محطات شمسية بطاقة إجمالية تناهز 300 ميغاواط، بينها 121 ميغاواط بعين بني مطهر، بكلفة تصل إلى 2.7 مليار درهم. وأوضح أن مشروع المحطة الشمسية الخاصة بمرضى السيليكوز بجرادة، سيوفر كهرباء منخفضة التكلفة لتقليص كلفة تشغيل أجهزة التنفس الاصطناعي، في بادرة تحمل بعداً إنسانياً وتنموياً عميقاً.

القانون، الاستثمار، الشفافية: مثلث التحول المنتظر

إلى جانب ما سبق، أشارت الوزيرة إلى أن مشروع القانون الجديد يتضمن مقتضيات تسمح بترخيص معالجة المواد المنجمية دون شرط رخصة استغلال، بهدف تسريع وتيرة الاستثمار، إلى جانب إلزامية الافتحاص السنوي للسلامة المهنية، بما يعزز شروط الشفافية والمراقبة داخل القطاع.

كما تم الإعلان عن إعداد أول دليل استثماري خاص بالقطاع المنجمي بجهة الشرق، لتيسير ولوج المستثمرين وتوضيح فرص التمويل، في مسعى لتحفيز بيئة الأعمال وتعزيز الثقة المؤسساتية في المنطقة.

PERG 2.0.. مشروع كهربة شامل بالطاقة المتجددة

ولم يغب عن اللقاء الحديث عن مشروع PERG 2.0، الذي تسعى من خلاله الوزارة إلى استكمال تغطية الشبكة الكهربائية، خصوصاً في المناطق النائية، عبر اعتماد حلول مستدامة كالطاقة الشمسية والشبكات الصغيرة، وهو النموذج الذي أثبت نجاعته، وفق الوزيرة، في إقليمي الصويرة والحوز.

نحو نموذج تنموي جديد لجرادة

زيارة بنعلي لإقليم جرادة لم تكن بروتوكولية بقدر ما شكلت حدثاً سياسياً وتنموياً، يحمل مؤشرات قوية على تغيير جذري في التعاطي مع الإقليم. فالمقاربة الجديدة لا تكتفي بتقارير التشخيص، بل تقترح حلولاً عملية، وتضع مفاتيح التنمية في يد المؤسسات الترابية والساكنة، في انسجام مع التوجيهات الملكية الداعية إلى ترسيخ العدالة المجالية والاجتماعية.

وبهذه المبادرات، تُعلن جرادة دخول مرحلة جديدة، قوامها الرقمنة، النجاعة، والتحول البيئي، في نموذج تنموي يحتكم للواقع، ويُعلي من قيمة الإنسان والكرامة والحق في أفق أفضل.