العامل ومدير التعليم.. المغرب الملكي المؤسساتي والتواصلي والدستوري في قفص الاتهام
افتتاحية| محمد الشنتوف *
في الدستور المغربي، وفي القوانين التنظيمية الموازية، هناك تعريف واضح للاختصاصات، وفرق مبين بين ما يجب أن يقوم به المنتخب وبين ما يجب ان يقوم به المعين، وتسطير لمساطر التواصل والتعامل والتوبيخ والمحاسبة، والاشراف والتنسيق.
مهام العامل
الدولة المركزية والدولة المنتخبة
الدولة المركزية ليست أعلى درجة من الدولة المنتخبة (بتعبير مجازي)، المغرب دولة المؤسسات الديموقراطية، الداخلية هي وزارة سيادية نعم، ولكنها مؤسسة في نفس قيمة ومكانة مؤسسة وزارة التعليم، وباقي الوزارات، العامل نفسه لم يكن ليكون عاملا لولا منظومة تعليم مر منها عبر سنوات، ودولة المؤسسات هو توجه مسطر بخط دستوري عريض، سعى الملك محمد السادس نصره الله لترسيخه فكرا وممارسه منذ توليه العرش، مما دفع بالكثيرين الى الانتباه ان فترة محمد السادس اختلفت عن فترة الراحل الحسن الثاني، فيما يرتبط بهذا الجانب بالضبط، فسنوات البصري لا تحتاج الى تفصيل وتفسير،واضحة المعالم والأركان، وفترة الفتيت تختلف عنها وفق التوجه الملكي الجديد، الداخلية غيرت الكثير من تقاليدها العريقة كمؤسسة، فأصبحت مؤسسة للتواصل وتطبيق القانون، إنما عقليات “الداخلية” القديمة لم تتغير عند بعض الولات والعمال والمسؤولين، وما حدث بين عامل سطات ومدير التعليم نموذج من النماذج.
الرؤية التواصلية المؤسساتية لمغرب اليوم: الأمن الوطني نموذجا
المؤسسة الأمنية مثلا( الأمن الوطني) رغم انتمائها لوزارة الداخلية، استطاعت فعلا أن تغير العقليات والسلوكات وليس فقط التوجهات، فأصبحنا نشعر كمواطنين بالأمن والراحة عندما نمر بجانب شرطي، بعدما كنا نشعر بالخوف بالأمس القريب، الشرطة المغربية أصبحت تعتمد على مقاربة جديدة، لا غبار عليها، منذ تولي الحموشي قيادة الأمن الوطني بالمملكة، مقاربة تواصلية قوامها التطبيق الأمثل للقانون في علاقة المؤسسة بلمواطنين، لكن على مستوى العمال والولات ومسؤولي الداخلية بمختلف قبعاتهم ومراكزهم، لا زلنا بحاجة للكثير من العمل من أجل تغيير العقليات لتغيير السلوكات، القمع والصراخ والتوبيخ بلغة تواصلية لا تلزم حدود اللباقة والاحترام لا معنى له ولا مكانة له في مغرب اليوم والغد المشرق الذي نطمح له.
ماذا يعني لقب عامل صاحب الجلالة ؟
“عامل صاحب الجلالة”، هذا ليس مجرد لقب، بل هو بشكل مباشر تعبير عن تمثيل الملك في التدبير الترابي، وتمثيل الملك يجب أن يراعي الخطوط العريضة للتوجيهات الملكية السامية في مجال التواصل والحكامة وتطبيق القانون، ناقشت مؤخرا هذه الفكرة مع أحد الأساتذة المتخصصين في القانون الدستوري، واتفقنا أن الملك لا يمكن أن يكون وزيرا للصحة والتعليم والاقتصاد،الملك يمثل المؤسسة الملكية،وباقي المؤسسات عليها أن تتحمل المسؤولية، والأهم أن لا يطغى الفرد باسم المؤسسة،او المؤسسة باسم الدولة، نحن نعرف هذا السر الذي يستعمله البعض لتسلق سلالم السلطوية والظلم أحيانا، وتحقيق المصالح من حين لٱخر، بزرع الخوف هنا وهناك وتقديم المغرب وكأنه دولة في القرون الوسطى، قمع واستبداد وتخويف، هذا التوجه قد يكون بمساندة مؤسساتية في فضاءات أخرى، يمكن أن نطلق عليها” لوبيات الطغيان”، وهي قادرة فعلا على زرع الرعب في النفوس، إنما من تهمه صورة المغرب، لا يمكن أن يسكت عن هذا العبث، وللأسف هذه المجموعات “الصغيرة” عدديا، والكبيرة” على مستوى التجبر والسلطوية”، تعطي الفرصة لأعداء الوطن، لكتابة تلك العناوين العريضة، ” مغرب القمع” ” مغرب الاستبداد”، فين غادين بالمغرب” الخ، وفعلا، هؤلاء جاز لنا أن نطرح عليهم السؤال: إلى أين تريدون الذهاب بالمغرب؟
عامل سطات ودولة المؤسسات وتطبيق القانون
عامل سطات قد لا يكون ضمن هذا التوجه، وقد يكون تواصله مجرد تعبير تواصلي في لحظة غضب، لأن ما يقال أن الرجل ” معقول” مهنيا،وصارم تواصليا، إنما هذه الصرامة كانت ستكون أجمل لو كانت بشكل مؤسساتي، إذا لم يقم مدير التعليم بواجبه، يمكن للعامل أن يسلك المساطر القانونية التي تحدث عن بعضها بالمناسبة في مداخلته التوبيخية للمدير، وقبلها أن يطرح السؤال بلباقة، ويبني موقفه القانوني والمؤسساتي دون الدخول في هذه المتاهة التواصلية، التي تعطي صورة سلبية عن مسؤولي الداخلية، وأنا أعرف أن تكوين العمال والولات أصبح يركز على القرب والتواصل وليس على زرع الخوف، وقد حضرت لحفل تخرجهم بالقنيطرة في إطار عملي الصحفي، ووقفت على هذا التوجه بشكل مباشر، نتحدث هنا عن علاقة العمال بالمواطنين والفاعلين، أما المؤسسات، فتحكمها بنود الدستور.
دستور 2011 بين التنظير والتطبيق في العلاقة بين مؤسسات الدولة
دستور 2011 متقدم جدا، المشكل ليس في الدستور وإنما في تنزيل توجهاته، الملك واضح في فلسفته، ورغم أنه رئيس الدولة،إنما أعطى للمؤسسة الملكية طابعا حديثا في تعاملها مع المؤسسات، المؤسسة الملكية أصبحت في عهد الملك محمد السادس أكثر انفتاحا وقربا من المؤسسات، وتعاملها وفق منهج ديمقراطي في التدبير، وليس منهاج قمعي وسلطوي، الملك لا يتدخل في الكثير من الملفات لانها ببساطة في يد مؤسسات أخرى، ويتدخل عندما تفشل المؤسسات في القيام بمهامها، وقد عبر عن انزعاجه من هذا الأمر في خطاب سابق عندما أشار الى ما مفاده” لو كان المسؤول يقوم بعمله لما وجه المواطن رسائله المباشرة للملك”.
الداخلية والقصر.. بين التخويف والقمع والرؤية الملكية لمغرب اليوم والمستقبل
بعض الأشخاص يخونون الثقة الملكية في التدبير، وٱخرون يستغلون قربهم من دوائر القرار للتجبر، الملك لا يطلب من أحد أن يخيف المواطنين او المسؤولين من القصر أو من الداخلية والمؤسسات القريبة من القصر الملكي، على بعض الأشخاص أن يفهمو اننا ” عايقين” بيهم، (ولا اقصد عامل سطات هنا) بل أتكلم بصفة عامة، هل الهدف من سلوكاتهم أن يصبح المغرب الملكي المؤسساتي والتواصلي في قفص الاتهام ؟، هل نحن في دولة القمع والخوف والسلطوية أم في دولة المؤسسات، شخصيا أومن بأننا في دولة المؤسسات، أومن بأن المؤسسة الملكية لا تسعى لزرع شعور الخوف والقمع، مؤمن أن من يسلك مساطر القرون الغابرة لا يهمه تقدم المغرب وإنما يهتم بمصالحه وصورته “الامبراطورية فقط”، ولهذا على المسؤولين الوعي بأننا في مغرب 2025، ونطمح فعلا للثقة أكثر بمؤسساتنا ومسؤولينا دون الخوف منهم، سواء كصحفيين مثلا، او كمواطنين، فالمغرب المؤسساتي يجب ان يكون في قفص الاحترام لا في قفص الاتهام.
*مدير النشر، باحث ومستشار في الإعلام والتواصل وتدبير الأزمات