الصحافة بمهنية ورؤية إبداعية

حزب الاستقلال بين تجربة شباط وعودة نزار بركة: أين ضاعت هوية الحزب؟من حزب وطني عريق… إلى دكان انتخابي فارغ!

من المستحيل بناء دولة قوية و ديمقراطية و عادلة بمؤسسات و أحزاب ينخرها الفساد والإستبداد والظلم والحكرة وأشياء أخرى

  عزيز الدروش|محلل و فاعل سياسي

الرباط-كان حزب الإستقلال لعقود طويلة صوتا وطنيا صادقا، وركنا من أركان الحركة الوطنية، ومرجعية فكرية وسياسية لملايين المغاربة. لكنه اليوم، يعيش حالة إحتضار سياسي وتنظيمي غير مسبوقة، ويعاني من نزيف في الأطر، وانكماش في التأثير، وتراجع خطير في الحضور المجتمعي والتنظيمي. فما الذي وقع؟ ولماذا تحول حزب الإستقلال من مدرسة وطنية إلى كيان باهت مفرغ من الروح؟

● أولا: تفكك الهوية وتآكل المشروع الوطني

منذ سنوات، بدأ الحزب يفقد بوصلة توجهه السياسي. لم يعد حاملا لمشروع وطني واضح كما كان في عهد علال الفاسي، بل دخل في دوامة التحالفات الإنتهازية، والخطاب الغامض، والإرتباك في القضايا الوطنية الكبرى. غابت الجرأة، وغاب الموقف، وحضر الصمت المريب والتواطؤ مع موازين القوى الفاسدة و خضع للكائنات الإنتخابية.

● ثانيا: من شباط إلى بركة… من الشعبوية إلى التقنوقراطية الباردة

تجربة حميد شباط كانت مثيرة للجدل، لكنها بالمقابل، عرفت لحظة يقظة تنظيمية وإنتشار شعبي واسع. شباط، رغم أخطائه، أعاد للحزب بعض الحيوية، وكسر إحتكار النخب التقليدية، وفتح المجال للشباب والطبقة الوسطى. لكنه سقط في فخ الشعبوية المفرطة والصراعات الشخصية، وإنتهى بخروجه المدوي من الزعامة، تحت ضغط الدولة وخصومه من داخل الحزب.

أما مع عودة نزار بركة، فالحزب دخل مرحلة الإستسلام الصامت. زعامة نزار إفتقرت إلى الكاريزما، وتسمت بـ التقنوقراطية الباردة. الرجل جاء بأمل المصالحة، لكنه في الواقع عقم الحزب من كل روح نضالية، وإكتفى بإرضاء الدولة والتماهي مع حكومة لا لون لها ولا طعم.

● ثالثا: المنظمات الموازية… هياكل بدون حياة

شبيبة الاستقلال، منظمة المرأة، الكشاف، الاتحاد العام للمقاولات والمهن… كانت هذه الأجهزة تمثل امتدادا طبيعيا للحزب في المجتمع. أما اليوم، فهي أسماء بدون مضمون و روح ، وواجهات انتخابية لا أكثر. غابت عنها الديمقراطية الداخلية، وغيّبت القيادات الشابة، وأصبحت أداة طيعة في يد القيادة التي لا تؤمن بالتجديد و الديمقراطيةالداخلية.

●رابعا: هجرة الأطر وتهميش الكفاءات

السبب الرئيسي في تفريغ الحزب من الأطر هو الإحتكار العائلي والزبونية والمحسوبية و الولاء والطاعة للزعيمين التي تحكمت في التزكيات والمناصب والمسؤوليات. لم يعد الإنتماء للحزب قائما على الإقتناع السياسي و الإديلوجي، بل على القرب من فلان أو علان. وهكذا، هاجرت النخب والكفاءات نحو فضاءات أرحب أو إنسحبت من السياسة.

● خامسا: حزب الاستقلال اليوم… شبح بلا ظل

لم يعد الحزب قادرا على التأثير في الرأي العام الوطني و لا المحلي ، ولا على تعبئة الشارع، ولا على تشكيل رأي سياسي مستقل. في البرلمان، صوته باهت. في الإعلام، غائب. في الشارع، منسي. تحول إلى ما يشبه الدكان الإنتخابي الذي يفتح أبوابه كل خمس سنوات، ويغلقها على صفقات مغلقة.

● خلاصة: هل من أمل؟

نعم، لكن بشرط:

🔹 ثورة داخلية ديمقراطية تنهي عهد الوجوه المتكلسة.

🔹 عودة إلى الجذور الفكرية الوطنية والإصلاحية.

🔹 إنفتاح حقيقي على الشباب والمرأة والكفاءات الوطنية.

🔹 إستقلال القرار الحزبي عن الأجهزة والمصالح المالية.

فإذا لم يقدم الحزب على هذه الخطوات، فسيظل مجرد علامة تجارية منتهية الصلاحية، تنتمي إلى الماضي أكثر مما تنتمي إلى المستقبل.

من المستحيل بناء دولة قوية و ديمقراطية و عادلة بمؤسسات و أحزاب ينخرها الفساد والإستبداد والظلم والحكرة وأشياء أخرى.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.